يبدو أنّ زخم "التسوية الرئاسيّة" التي إنطلقت في ظلّها أعمال حُكومة ما بعد الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، آخذة بالإنحسار بوتيرة سريعة. وعلى الرغم من الغُبار المُثار بفعل تحريك العديد من الملفّات في آن واحد، بما يُوحي أنّ "حكومة العمل" تتّجه للإيفاء بوُعودها خلال وقت قصير، فإنّ تباينات الرأي وحتى الخلافات والإنقسامات إزاء العديد من الملفّات الحسّاسة أطلّت برأسها سريعًا، بما يُهدّد التناغم الحُكومي ويطرح أكثر من علامة إستفهام بشأن إمكان أن تُحدث هذه الحُكومة فارقًا فعليًا. فما هي أبرز نقاط الخلاف التي ظهرت حتى تاريخه؟.

أوّلاً: ملفّ النازحين، حيث يُوجد تباين كبير بين موقف كلّ من "تيّار المُستقبل" و"القوات اللبنانيّة" و"الحزب التقدّمي الإشتراكي" من جهة، وموقف كل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"​الحزب الديمقراطي اللبناني​" وباقي مُمثّلي قوى "8 آذار" في الحُكومة من جهة ثانية، وذلك بالنسبة إلى سُبل مُعالجة مسألة ​النزوح​ السُوري في لبنان. وفي حين يضغط كل من "التيّار الوطني الحُرّ" وقوى "8 آذار" لتحريك ملفّ النازحين بشكل مُباشر مع السُلطات السُوريّة، للبدء بإعادة هؤلاء على دُفعات، تدعو القوى المُعارضة لهذا التوهّج، إلى التريّث، وإلى التنسيق مع المُجتمع الدَولي، وإلى عدم الخروج عن الإجماع العربي في هذا الملفّ. إشارة إلى أنّ المواقفالدَوليّةوالخليجيّة إزاء الحرب السُوريّة ككل، تُشدّد على أن لا إعمار لسوريا، ولا عودة للنازحين من دول الجوار، قبل وضع خريطة الحلّ النهائي موضوع التنفيذ، وقبل تحديد مصير الرئيس السُوري بشّار الأسد بشكل واضح! وبالتالي، يبدو أنّ ملفّ النازحين سيكون خلال المرحلة المُقبلة محلّ شدّ حبال في الداخل اللبناني، مع كلّ التعقيدات الإقليميّة والدَوليّة لهذا الملفّ، ومع كل الإعتبارات والخلافات السياسيّة التي يحملها، لا سيّما تلك المُرتبطة بالتطبيع عمليًا مع النظام السُوري.

ثانيًا: ملفّ الفساد، حيث من الواضح أنّ أيّ جهة سياسيّة داخليّة لن تقف بوجه توقيف بعض الأشخاص المُرتكبين، أكانوا ينتمون إلى إدارات الدَولة الرسميّة أو حتى إلى أيّ سلك عسكري، حتى لا تظهر بموقع المُدافع عن الفاسدين، لكنّ مقولة "يا غيرة الدين" جاهزة لدى كل الطوائف والمذاهب في حال إقترب حبل مُعالجة الفساد من بعض كبار المسؤولين السياسيّين، بحجّة أنّ إتهام هؤلاء الرُموز يعني عمليًا إتهام الطائفة التي يُمثّلونها والمذهب الذي ينتمون إليه بالفساد، وبحجّة أّنّ بعض الجهات الداخلية تنطلق من غطاء الفساد للقيام بمُحاكمات سياسيّة وبشكل إنتقائي واضح! وبالتالي إنّ مُحاولات "​حزب الله​"–ومن ورائه "التيار الوطني الحُرّ" في الخلفيّة، تحريك ملفات مُحدّدة، تطال خُصوصًا فترة حُكم رئيس الحكومة الأسبق ​فؤاد السنيورة​، ستصطدم بمُعارضة شرسة من جانب "تيّار المُستقبل" مَدعومًا من قبل حزبيّ "القوات" و"الإشتراكي".

ثالثا: ملفّ الكهرباء، حيث أنّ إتجاه "التيّار الوطني الحُرّ" هو للدفع نحو إيجاد الحلولالمُوقّتة في أسرع وقت مُمكن، في إنتظار الحلّ النهائي المُستدام، علمًا أنّ الحُلول السريعة لا يُمكن أن تمرّ إلا من خلال إستجرار الطاقة من مصادر خارجيّة، بسبب عجز مؤسّسة ​كهرباء لبنان​ عن تغطية حاجة لبنان من الطاقة. وقد تبيّن من خلال دراسة مجموعة من عروض تأمين الكهرباء، أنّ إستئجار بواخر إضافيّة لإنتاج الكهرباء، وبالتالي لرفع قُدرة مؤسّسة كهرباء لبنان مرحليًا في إنتظار بناء المصانع، هو الحلّ الأسرعوالأقلّ كلفّة. لكنّ أطرافًا عدّة، ومنها "القوات" و"الإشتراكي" و"المردة" و"​حركة أمل​" وغيرهم، تدفع إلى الدُخول فورًا في مرحلة الحلّ النهائي، أي للشروع في بناء المصانع من دون هدر مزيد من الأموال على إستئجار المزيد من البواخر، حتى لو أسفر هذا الأمر عن إستمرار إنقطاع التيّار الكهربائي جزئيًا خلال مرحلة بناء هذه المصانع الجديدة. وبالتالي، إنّ "التيّار الوطني الحُرّ" الذي يبحث عن إنجاز سريع في هذا الملف، وذلكللإيفاء بوُعوده الكثيرة في هذا السياق، سيصطدم مُجدّدًا بمُعارضةداخليّة واسعة ومتعدّدة الأطراف، ما سيفتح الباب أمام كباش شديد على خط التوتّر العالي–إذا جاز التعبير!.

رابعًا: ملفّ ​التعيينات​ الذي صار يتمّ في لبنان عُرفيًا عبر تقاسم الحُصص والمراكز بين الطوائف والأحزاب السياسيّة، مُرشّح لأن يصطدم هذه المرّة بأكثر من عقبة. فكلّ من حزب "القوّات" و"تيّار المردة" إضافة إلى جهات من خارج الحُكم مثل حزب "الكتائب اللبنانيّة" وغيره، يرفضون بأن يستأثر "الوطني الحُرّ" بالحصّة المسيحيّة شبه الكاملة من التعيينات، علمًا أنّ "التيّار" يعتبر أنّ من حقّه الطبيعي الإستحواذ على أغلبيّة الحصّة المسيحيّة من التعيينات، كونه الجهّة الأكبر والأوسع تمثيلاً على مُستوى السُلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة، ومنصب الرئاسة بيده. وفي الضفّة الأخرى، وفي حين يُسيطر كل من "حزب الله" و"حركة أمل" على كامل الحصّة الشيعيّة، سيصطدم كلّ من "تيّار المُستقبل" و"الحزب الإشتراكي" هذه المرّة برغبة قوى "8 آذار" على الساحتين الدُرزيّة والسُنيّة بتقاسم الحُصص مع "الإشتراكي" ومع "المُستقبل"–ولوّ بنسبة أقلّ.

وفي الختام، لا شكّ أنّ هذه الملفّات ما هي إلا عيّنة عمّا ينتظر الحُكومة الجديدة من خلافات ومن تعقيدات ومن تباينات في الرأي. فهل سيتمّ العمل بأسلوب مُختلف هذه المرّة لتجاوز الإنقسامات، وللسماح بتحقيق إنجازات طال إنتظارها من قبل اللبنانيّين الغارقين بمشاكلهم الإقتصاديّة والحياتيّة والمعيشيّة على إختلافها، أم أنّ الخيبة ستحلّ سريعًا، ليُضاف فشل حُكومي جديد إلى سلسلة من التعثّرات على مُستوى الحُكم في لبنان خلال المرحلة الأخيرة؟.