في لبنان بات كثيرون مولَعين بالشعارات التي في كلمات بسيطة تفسِّر وضعًا معقدًا:

من الشعارات المتداولة، تعبيرًا عن الوضع الراهن، القول ان هناك "قواعد اشتباك جديدة" بين الأطراف الممسكين بالبلد، هذه "القواعد" تقوم على الاسس التالية:

الاستقرار يهتز لكنه لا يسقط.

التصعيد يكون في الكلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفزة، ولا يتدحرج وينحدر الى أزمة حكومية أو إلى الشارع.

وتأسيسًا على ذلك يأتي الشعار التالي: "الوضع تحت السيطرة" بدليل ان كل التوترات الكلامية لم "تُصرَف" توترات في مكان آخر.

وهنا يأتي الشعار الثالث: "الوضع ممسوك ولكنه غير متماسك".

***

هذه الانطباعات هي التي خرج بها المتابعون بعد "جولة العنف السياسي" الاخيرة التي حصلت، فما الذي جرى عمليًا؟

عشية التوجه إلى بروكسيل انعقد اجتماع في بيت الوسط، امتد لساعات بين رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ورئيس تكتل لبنان القوي وزير الخارجية جبران باسيل. البحث في الاجتماع تناول كل الملفات المطروحة: من ملف الكهرباء الى ملف التعيينات الى الملفات المطروحة في الفساد الى ملف النازحين.

لم يكن الاجتماع موفقًا كليًا، لكنه لم يفشل كليًا، فملفات الكهرباء والتعيينات لم يتم التفاهم عليها وأُرجئ إنجازها الى ما بعد بروكسيل.

وبسبب الانشغال بمؤتمر بروكسيل لم تنعقد جلسة ​مجلس الوزراء​، على أمل ان تنعقد في الاسبوع الذي يلي، ويكون جدول الأعمال حصيلة "تفاهم بيت الوسط" الذي لم يحصل.

الخميس الفائت كان العشاء السنوي للتيار الوطني الحر في ذكرى 14 آذار 1989. القى الوزير باسيل كلمة نارية، ومما جاء فيها:

"اسقطنا منظومة سوكلين" "... يا عودة نازحين يا ما في حكومة، يا منطرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء يا ما في حكومة، يا عجز كهربا صفر، يا ما في حكومة... مؤتمر بروكسيل يؤمِّن بقاء النازحين حيث هم ولا يمول عودتهم".

وحدد باسيل موقفه من "سيدر" فقال: "اليوم الذي تُستعمل فيه اموال سيدر للقول "قروض مقابل نزوح"، سنجيب قائله: ما بدنا قروضك ولا نزوحك".

***

هذه الكلمة النارية للوزير باسيل استدعت ردًا ناريا عبر تلفزيون المستقبل الذي جاء في مقدمته: "تصريحات تضرب عرض الحائط بمبدأ التضامن الوزاري لتغطية السموات بالقبوات" ويتابع المستقبل: اما الكلام عن محاسبة الفساد وادعاء البطولات داخل مجلس الوزراء في وقف صفقات ومناقصات، فهي مزحة سمجة، والأحرى الالتزام بالقوانين عبر الأفعال بدلا من الشعارات الفارغة.

***

لم يطل الأمر حتى ردت مصادر التيار الوطني الحر على ما ورد في تلفزيون المستقبل، فصوَّبت على الرئيس الحريري مباشرة من خلال القول: "أن زمن الدلع والغنج السياسي انتهى، وخصوصا في ملف اللاجئين السوريين، وأن كلام الوزير باسيل الأخير يأتي لحث الرئيس سعد الحريري على المضي في تأمين انتاجية الحكومة، بدلا من إضاعة الوقت في السفر".

***

مجددًا لم يتأخر رد تيار المستقبل، فجاء فيه: "كيف أن من عطل تشكيل الحكومة طوال 9 أشهر، بات حريصاً اليوم على السؤال عن إنجازاتها بعد 3 أسابيع من انطلاقتها"؟. وكيف ينوي من لم يستعد معتقلاً لبنانياً واحداً من سجون النظام السوري، خلال 12 عاماً، أن يعيد مليوناً ونصف مليون نازح إلى سوريا، علماً أن لا أحد يمنعه عن القيام بذلك.

***

على رغم كل هذا السجال العالي السقف، فإن هناك مَن يعتبر ان لا داعي للقلق لأن الامور مضبوطة وتحت السيطرة، ولأن هناك استحقاقات امام لبنان، منها زيارة وزير الخارجية الاميركي لبيروت هذا الاسبوع، وزيارة رئيس الجمهورية لموسكو الاسبوع المقبل، ومشاركة لبنان في القمة العربية في تونس.

هذه الاستحقاقات تحتم حدًا ادنى من التماسك على مستوى السلطة التنفيذية.

وتأسيسًا على ذلك، لا داعي للقلق من السجالات والحروب الكلامية.