ليس من المصادفة أن تأتي زيارة وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​، المنتظرة، إلى لبنان، بعد زيارة نائبه ديفيد ساترفيلد، لمواصلة العمل على تحقيق ما سعى إليه ساترفيلد من تحريض قوى 14 آذار على توحيد جهودها ودفعها باتجاه مواصلة المعركة الأميركية بالإنابة ضدّ ​حزب الله​ المقاوم وحلفائه في الحكومة والبرلمان وخارجهما، والعمل على تعطيل أيّ انفتاح على سورية، وعرقلة جهود رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ والتيار الوطني الحر لتأمين عودة كريمة للمواطنين السوريين، الذين نزحوا إلى لبنان هرباً من جحيم الحرب التي شنّها الإرهابيون التكفيريون، والتي قادتها الولايات المتحدة ودعمتها قوى 14 آذار بزعم انّ هؤلاء الإرهابيين «ثوار من أجل الحرية»، إلى جانب طبعاً الإصرار على رفض قبول أيّ تعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو روسيا أو الصين، لمساعدة لبنان على حلّ أزماته المزمنة التي يعاني منها في مجالات الكهرباء والنفايات والمواصلات، أو في مجال استخراج واستثمار ثروته النفطية والغازية المكتشفة في مياهه الإقليمية…

لكن إلى جانب هذه الأهداف يسعى بومبيو إلى تسويق تسوية لترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، تخدم أيضاً الأطماع الصهيونية في أراضي وثروات لبنان من نفط وغاز ومياه، تسوية تقوم على طرح مقايضة بعض النقاط الحدودية المتنازع عليها، والتي تعتبرها حكومة العدو الصهيوني استراتيجية وحيوية بالنسبة لأمن الكيان الاحتلالي، وتريد موافقة لبنان على التخلي عنها، في مقابل إعطائه، بديلاً عنها، مساحات أكبر من الأرض الفلسطينية المحتلة، واستعداد لتسهيل حلّ ترسيم الحدود البحرية بما يرضي لبنان…

يتضح من كلّ ذلك أنّ زيارة بومبيو غايتها تحقيق الأهداف التالية:

أولاً: مواصلة الضغط والتحريض على حزب الله من خلال العمل على تشديد الرقابة على حركة المصارف اللبنانية تنفيذاً للعقوبات الأميركية لحصار المقاومة مالياً، وعدم إعطائه فرصة الاستقرار في الداخل وتعزيز انتصار تحالف القوى الوطنية في الانتخابات النيابية لتحقيق المزيد من الإنجازات، من خلال مشاركته في الحكومة والبرلمان، وذلك عبر العمل على تعطيل وعرفلة جهوده المنسّقة مع القوى الحليفة له والهادفة إلى:

1 ـ محاربة الفساد والفاسدين، الذين تولّوا مواقع المسؤولية على مدى أكثر من ربع قرن، ولهم علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة ويخدمون أجندتها في لبنان… لا سيما أنّ نجاح الحزب وحلفائه في تحقيق تقدّم في محاربة الفساد سوف يسهم في زيادة شعبيته لدى جميع اللبنانيين، ويضعف الطبقة السياسية المسؤولة عن الأزمات وإشاعة الفساد، ويوفر فرصة مهمة لإحداث التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي في سياسات السلطة اللبنانية، وهو ما تخشاه واشنطن و​تل أبيب​ وتسعيان لمنع حصوله…

2 ـ تأمين عودة كريمة وسريعة للمواطنين السوريين الذين هجروا إلى لبنان في السنوات الثماني الماضية، وعدم ربط هذه العودة بما يسمّى الحلّ السياسي في سورية، ذلك أنّ هذه العودة، عدا عن كونها ستتمّ من خلال التنسيق والتعاون مع الحكومة السورية، فإنها تقطع الطريق على استغلال واشنطن وحلفائها إبقاء النازحين في لبنان والدول المجاورة لسورية، على الصعيدين السياسي والمادي، سياسياً من خلال استخدام النازحين ورقة ضغط على الدولة السورية، لمحاولة ابتزازها بالحصول منها على تنازلات سياسية في موضوع تشكيل اللجنة الدستورية بحيث يجري تركيبها على نحو يؤمّن لواشنطن أغلبية داخلها تمكّنها من صياغة وفرض دستور سوري، طائفي ومذهبي وعرقي، لتفكيك الدولة الوطنية السورية ووحدة الشعب السوري، على غرار دستور العراق الذي وضعه الحاكم الأميركي بول بريمر في مرحلة الاحتلال… ومماثل أيضاً للدستور اللبناني.

3 ـ كسر الوصاية الأميركية على لبنان، والتي تمنعه من إقامة علاقات سياسية واقتصادية متوازنة مع جميع الدول في العالم، تقوم على التعاون، بما يمكّن لبنان من تحقيق مصالحه الوطنية ومعالجة أزماته المالية والاقتصادية والخدماتية، وتسليح جيشه الوطني بأسلحة رادعة للعدوانية والأطماع الصهيونية، والدفاع عن سيادة واستقلال لبنان ضدّ أيّ اعتداء يتعرّض له، ذلك أنّ إقامة مثل هذه العلاقات المتوازنة سيؤدّي إلى جعل لبنان قادراً على اتخاذ القرارات والسياسات المستقلة التي تخدم مصالحه، وبالتالي تحرّره من وصاية الولايات المتحدة التي تكبّله وتقيّده وتمنعه من الحصول حتى على مساعدات مجانية، غير مشروطة، لحلّ أزمات الكهرباء والنفايات والمواصلات، أو تسليح جيشه، إذا كانت هذه المساعدات من دول تعارض الهيمنة الأميركية، وفي الوقت نفسه ترفض واشنطن مساعدة لبنان على تسليح جيشه بأسلحة نوعية، تحت ذريعة أنها ستصل إلى المقاومة، كما ترفض تقديم المساعدات المجانية غير المشروطة لحلّ أزمات لبنان الخدماتية…

4 ـ الإصرار على تحرير كامل الأراضي اللبنانية المحتلة من قبل العدو الصهيوني ورفض مشاريع التوطين أو تهجير اللاجئين الفلسطينيين، ورفض ايّ تسوية تنتقص من حقوق لبنان في أراضيه ومياهه الإقليمية وفي ثرواته من نفط وغاز ومياه إلخ… وطبعاً مثل هذا الموقف لا ينسجم مع المخططات والأطماع الصهيونية التي تعمل واشنطن لتمكين كيان العدو الصهيوني من تحقيقها…

من هنا فإنّ المطلوب هو العمل بحزم وقوة على إحباط أهداف زيارة بومبيو إلى لبنان، ورفض أيّ مساومة أو تنازل عن أيّ حق من حقوقه في أراضيه أو مياهه، وعدم السماح للوزير الأميركي بالتدخل في شؤون لبنان الداخلية لناحية السياسات التي عليه انتهاجها انطلاقاً من مصالحه الوطنية، وبالتالي رفض الخضوع للإملاءات التي يسعى بومبيو إلى فرضها على لبنان… باعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من معركة الدفاع عن استقلال وسيادة لبنان وحرية قراره الوطني… فلا استقلال ولا سيادة مع أيّ خضوع لإملاءات خارجية أو وصاية أجنبية… فكيف إذا كانت هذه الإملاءات والوصاية هدفها إبقاء لبنان خاضعاً للهيمنة الأميركية، وخدمة العدو الصهيوني في سعيه إلى تحقيق أطماعه في لبنان وإثارة الفتنة ضدّ المقاومة، التي حرّرت الأرض وحققت العزة والكرامة للبنان واللبنانيين، وألحقت الهزيمة المرة بجيش الاحتلال الصهيوني وأذلّته وجعلته يعاني من العجز وعدم الإيمان بالقدرة على تحقيق النصر عليها، في أيّ حرب يقرّر خوضها ضدّها في المستقبل…