في فترةٍ يمكن اعتبارها "قياسيّة" في عمر الحكومات، "اهتزّت" الحكومة اللبنانية سريعاً، حتى بات السؤال الذي يُطرَح على كلّ لسان، هل تقع؟ ومتى؟.
من دون سابق إنذار، بدا أنّ حكومة "إلى العمل" تحوّلت إلى حكومة "إلى الخلافات"، على وقع التشنّج الذي رُصِد بين مكوّناتها المتناقضة على أكثر من صعيد، والذي ترجم تصريحات وتصريحات مضادّة، وتراشقاً للاتهامات المتبادلة بين هذا الفريق وذاك، على وقع التسريبات المتداولة حول انهيار "التسوية" التي كانت أساس وجودها أصلاً.
ولعلّ كلام وزير الخارجية جبران باسيل عن ثلاثة شروط لبقاء الحكومة هي عودة النازحين، وطرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء، وتصفير عجز الكهرباء، عزّز "الهواجس" من وجود خطر جدّي يحوم حول الحكومة، التي تبدو عاجزة عن تحقيق "إنجاز" جدّي في أيّ من الملفات المطروحة أمامها، والتي يقول البعض إنّها دخلت في "إجازة" قد لا تكون قصيرة...
"التيار" غير راضٍ
برأي كثيرين، جاء كلام الوزير جبران باسيل خلال العشاء السنوي لـ"التيار الوطني الحر" مفاجئاً في الشكل والمضمون، ليس فقط لما رأى فيه خصوم الرجل من "شعبوية لم تكن في مكانها"، ولا حتى لجهة تصويبه على مؤتمر بروكسل، وبالتالي على رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان يرأس الوفد اللبنانيّ إليه، ولكن قبل ذلك لما احتواه من "تهويلٍ" بدا مستغرَباً على الحكومة التي لم تكمل بعد شهرها الثاني.
"إما عودة النازحين أو لا حكومة، وإما طرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء أو لا حكومة، وإما صفر عجز كهرباء أو الحكومة صفر ولا حكومة". كلماتٌ قالها رئيس "التيار الوطني الحر" في خطابه، أيقظت "هواجس" كثيرين من وجود خططٍ جدّية لانتصار خيار "لا حكومة" في نهاية المطاف، بل ذهب البعض إلى حدّ التساؤل عمّا إذا كان "سيناريو" إسقاط الحكومة بضربة "الثلث المعطل" القاضية يمكن أن تتكرّر اليوم، ربما تزامناً مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان، بما يعيد رمزيّة إسقاطها تزامناً مع لقاء الحريري والرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
وإذا كان "حرص" باسيل على الحصول على "الثلث المعطل" قبل تشكيل الحكومة عزّز من هذه "الهواجس"، معطوفاً على فرضية أنّ مهلة المئة يوم التي قيل إنّه أعطاها لوزرائه الذين وقّعوا سلفاً على استقالاتهم، قد تنطبق على الحكومة برمّتها، وليس على وزير بحدّ ذاته، فإنّ الأكيد، وبعيداً عن كلّ "التكهّنات" من هنا وهنالك، يبقى أنّ "التيار الوطني الحر" غير راضٍ على الأداء الحكوميّ حتى الآن، والذي لا يتناسب مع ما كان يطمح إليه، في عزّ "العهد القوي" الذي اعتبر هذه الحكومة بالتحديد، حكومته الأولى.
من هنا، يرى المقرّبون من "التيار" أنّ كلام باسيل، وإن بدا صادماً وتهويلياً للوهلة الأولى، قد يكون تحفيزياً في العمق، ولا يفترض بالتالي تحميله أكثر ممّا يحتمل. بمعنى آخر، صحيح أنّ الوزير باسيل أراد إحداث "صدمة" من خلال كلامه الأخير، إلا أنّ هذه "الصدمة" قد تكون بالمعنى الإيجابي لا السلبي، من خلال فرض وتيرة عمل أخرى على مكوّنات الحكومة، ولو تحت "ضغط" الإطاحة بها، لأنّ المطلوب من الحكومة في هذه المرحلة هو بالتأكيد، أكثر بكثير ممّا تحقّق حتى الآن، إن تحقّق شيء يُذكَر أصلاً.
اهتزّت... لكن لن تقع!
انطلاقاً ممّا سبق، يمكن القول إنّ الحكومة "اهتزّت" سريعاً، وهو ما تؤكده السجالات الإعلامية والسياسية التي خرقت "التهدئة" الداخلية منذ مساء الخميس الماضي، والتي ربطها البعض بلقاء الحريري وباسيل، وربطها البعض الآخر بما أثير عن لقاءٍ جمع الحريري مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فيما ربطها آخرون ببعض المقاربات الداخلية، خصوصاً إزاء ملف النازحين، وما نتج عن تغييب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب عن مؤتمر بروكسيل، على رغم اعتراف القاصي والداني بأنّه الوزير المعنيّ بمحاور المؤتمر.
إلا أنّ مؤشّراتٍ بالجملة تؤكد أنّ "الاهتزاز" الذي شهدته الحكومة باكراً، لن يؤدي إلى "وقوعها"، أو "سقوطها"، أقلّه في المدى المنظور، بما ينفي الفرضيّة التي ذهب إليها البعض، من إمكان أن يعيد التاريخ نفسه، فيجمع الوزير باسيل ثلث وزراء الحكومة لإعلان استقالاتهم، بما يجعل الحكومة تلقائياً حكومة تصريف أعمال. ولعلّ السبب الأول لاستبعاد هذه الفرضيّة يكمن في أنّها لا تشكّل مصلحة لأحد، وهي لن تؤدّي إلى حلّ الخلافات المتراكمة، ولا إلى إطلاق ورشة الإصلاح الموعودة، بما من شأنه أن يضيّع "الفرصة" التي يعتبرها البعض "ذهبيّة" أمام لبنان للنهوض باقتصاده، إذا ما نفّذ مقرّرات مؤتمر "سيدر"، فضلاً عن أنّ من شأنها تأجيج الشارع، بما يُفقِد أيّ حكومةٍ أخرى، سواء كانت من لونٍ واحدٍ أو غير ذلك، أيّ قدرة على الإنتاج.
وربطاً بالسبب الأول، يمكن القول إنّ "التيار الوطني الحر" أصلاً لا يريد إسقاط الحكومة اليوم، لأنّه يدرك أنّ ما لن يستطيع تحقيقه في ظلّ هذه الحكومة، التي يملك "حصّة الأسد" فيها، لن يستطيع تحقيقه تحت كنف حكومة أخرى، ولو كانت من لونٍ واحد، وهو ما يغلّب فرضية "النوايا التحفيزية" من كلام باسيل، لا أكثر ولا أقلّ، بغضّ النظر عن الضجّة التي أحدثها في الساحة السياسية. وأبعد من ذلك، ثمّة من يقول انّ "التيار" حتى لو أراد إسقاط الحكومة، فإنّ مضيّ ثلث الوزراء في مثل هذه الخطوة لن يكون مضموناً بالنسبة إليه، باعتبار أنّ حلفاءه لن يوافقوا على السير بها، لأسبابٍ واعتباراتٍ مختلفة، وبين هؤلاء الحلفاء من ينتمي إليهم بعض الوزراء الـ11 المُدرَجين ضمن حصّة "التيار"، على غرار الوزير حسن مراد، وكذلك الوزير صالح الغريب.
توافق "الحد الأدنى"؟!
قد يكون ما حُكي عن انهيار "التسوية الرئاسيّة" سبباً كافياً ووافياً لإسقاط الحكومة عن بكرة أبيها، التي أتت برأي كثيرين نتيجة عمليّة لهذه التسوية، والتي ما كان بالإمكان ولادتها من دون التفاهم الضمني المُسبق بين "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر".
وقد يكون عجز الحكومة عن توافق "الحد الأدنى" على مقاربة الملفات الأساسيّة التي تواجهها، سبباً آخر لإسقاطها، خصوصاً أنّ "شللها" لا يطال فقط القضايا الاستراتيجية والكبرى، بل يشمل حتى التعيينات، التي بدأت رحلة تأجيلها داخل مجلس الوزراء.
ولكن قبل هذا وذاك، فإنّ التركيبة اللبنانية التي حتّمت تشكيل حكومة تجمع هذا الكمّ من التناقضات، ستحتّم بقاءها إلى أجلٍ غير مسمّى، حتى ولو تحوّلت بشكلٍ أو بآخر إلى حكومة تصريف أعمال، ولعلّ "التهدئة" التي عادت لتُسجَّل على خط "المستقبل" و"الوطني الحر" في الساعات الماضية، على رغم استفحال الخلافات، تعبّر خير تعبيرٍ عن ذلك...