لا يبدو ان تداعيات مؤتمر ​بروكسل​ الخاص بـ"دعم مستقبل ​سوريا​ والمنطقة" ستمرّ بلا خسائر سياسيّة واضحة على ​لبنان​، فالخلاف حول ملفّ ​النازحين​ ومعالجته استفحل وبات يشكل خطرا على حياة الحكومة، وحياة التسوية الرئاسيّة التي وُقّعت بين ​التيار الوطني الحر​ و​تيار المستقبل​. يأتي مؤتمر "لبنان والنازحون من سوريا، الحقوق والهواجس ودبلوماسية العودة" الذي نظمه ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ أمس ليقدّم صورة واضحة عن حجم الخلاف، اذ بتنا أمام فريقين لكل منهما رأيه ودعمه الخارجي.

دعا القائمون على المؤتمر كل القوى السياسية لحضوره، ومنها ​حزب الله​ الذي اعتذر عن تلبية الدعوة بسبب "انحياز" المؤتمر، بحسب ما تكشف مصادر التقدّمي الاشتراكي عبر "​النشرة​"، مشيرة الى أن القوى السياسية التي شاركت، أيّ ​القوات​ و​الكتائب​ وتيار المستقبل، تملك وجهة نظر متطابقة بملف النازحين، الى جانب القسم الأكبر من ​المجتمع الدولي​.

وتكشف المصادر "انّ الصراع في ملفّ النازحين بات صراعا سياسيا حادّا اذ لا يمكن لنا أن نقبل بما يحاول فعله الفريق الآخر، الذي يحاول أن يحمّل لبنان وحده "كرة النار" كرمى لعيون ​النظام السوري​، ينما نحن نسعى لأن تساهم الدول الأخرى بحمل هذه الكرة معنا". وتضيف: "يريدون قطع العلاقات مع المجتمع الدولي بملفّ النازحين ما يعني وقف المساعدات الماليّة التي تُقدّم الى لبنان، رغم أن هؤلاء لن يخرجوا من لبنان، الامر الذي يؤدّي الى تحمّل ​الحكومة اللبنانية​ أعباء ​النزوح​.

تتحدث المصادر عن 53 ألف وظيفة للبنانيين في "شقّ النزوح"، تستفيد من النازحين عبر الأموال التي تُقدّم لهم من الخارج ومنها مثلا 150 مليون ​دولار​ لوزارة التربيّة، لذلك فإن السؤال ماذا يفعل هؤلاء بحال توقفت مساعدات ​الدول المانحة​ للبنان؟. وتضيف: "هناك من يسعى لإعادة النظام السوري الى كل تفصيل في لبنان من خلال ملفّ النازحين، وهؤلاء ليسوا حزب الله ولا ​الحزب السوري القومي الاجتماعي​ بل فريق ​رئيس الجمهورية​ الذي يشكّل رأس حربة هذا المشروع"، مشدّدة على انّ الفريق المعارض لهذا التوجه لن يسمح لهذا الهدف أن يتحقق.

من جهته يرى القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي صالح حديفي أن هذا المؤتمر هو لتأكيد وجهة نظر الحزب بملف النازحين ان كان بالناحية الانسانية عبر مشاركة المؤسسات الدولية والعربية المعنية بالشق الانساني، او السياسية المتعلق بوجهة نظرنا، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن هذا المؤتمر سيقول أن فريقا سياسيا موجودا في لبنان الى جانب مجموعة دولية لديها وجهة نظر مختلفة عما يحاول البعض تسويقه من حلول واهية لملفّ النازحين.

ويضيف: "لم يعد بالإمكان إخفاء النزاع القائم حول هذا الملف، ولكننا سنواجه إستماتة البعض على استغلال النازحين لأهداف سياسيّة مقابل رميهم في آتون الموت مجدّدا"، مشدّدا على أن وزراء الحزب لا يريدون تأزيم الصراع على طاولة ​مجلس الوزراء​ ولكنهم لن يسكتوا بحال طُرح الملف من جديد.

لا توافق مصادر نيابيّة في فريق ​8 آذار​ على كل ما ورد في مؤتمر التقدّمي الاشتراكي، فلا الحكومة السوريّة تعرقل العودة كما يدّعي البعض، ولا هم يريدون مصلحة لبنان عبر التعاطي مع المجتمع الدولي بهذه السذاجة. وتضيف المصادر عبر "النشرة": "من يريد مصلحة لبنان عليه ان يسعى لإعادة السوريين الى بلدهم الأمس قبل اليوم، وعدم التستّر بفتات المال الذي يقدّمه المجتمع الدولي لمساعدتهم، بالوقت الذي أصبح مصير الوطن على المحكّ، وبالوقت الذي باتت فيه المساعدات الدولية أصلا مشروطة ببقاء النازحين في لبنان وتأمين الوظائف لهم".

"لن يرضى رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والحلفاء باستمرار وضع النازحين على ما هو عليه"، تقول المصادر، مشيرة الى أن نفي مدير عام ​الأمن العام​ ​اللواء عباس ابراهيم​ بشأن حصول مضايقات للسوريين العائدين على بلدهم، هو أبسط دليل على "الدجل" الذي يمارسه البعض بغية إبقاء السوريين في لبنان، رافضة التعليق حول ما اذا كان الأمر سيؤدّي الى ​تفجير​ الحكومة أم لا.

يمرّ الاستقرار الحكومي بفترة صعبة، قد تكون الاولى ولكنها لن تكون الأخيرة، هذا اذا ما استطاعت الصمود بوجه الضغوطات القائمة، وأبرزها ما سيحمله وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​ الى ​بيروت​.