لم تكن عملية المقاوم بكر أبو ليلى، الذي وصفه المستوطنون الصهاينة بـ رامبو… لما جسّده من قدرة وشجاعة وجرأة منقطعة النظير في تنفيذ هجوم فدائي معقد ومركب ضدّ جنود الاحتلال والمستوطنين أدّى إلى مقتل جنديين وحاخام وجرح آخرين، لم تكن صاعقة في سماء صافية، بل جاءت تتويجاً لسلسلة من العمليات البطولية في منطقة سلفيت المكتظة بالمستوطنات، القريبة من البلدات والقرى الفلسطينية، التي باتت محاصرة بهذه المستوطنات ومعسكرات وحواجز الاحتلال، وعرضة لاعتداءات المستوطنين واقتحامات جنود الاحتلال وإرهابهم… على أنّ العملية ​الجديدة​ جاءت بمثابة عاصفة لفحت كيان الاحتلال، قادة وجيشاً ومستوطنين، وجعلتهم في حالة صدمة وذهول وارتباك وتخبّط، لدى تلقيهم خبر العملية المباغتة في لحظة تشتدّ فيها معركة ​انتخابات​ ​الكنيست​ الصهيوني، يتوقف على نتائجها المستقبل السياسي لرئيس ​الحكومة​ بنيامين نتنياهو الذي تلاحقه تهم ​الفساد​، والعديد من الأحزاب السياسية…

كما جاءت في لحظة يتصاعد فيها العدوان الصهيوني، قمعاً واستيطاناً وتهويداً، في سياق مخطط لحسم قضايا الصراع الأساسية، على قاعدة تهويد كامل مدينة ​القدس​ بما فيها ​المسجد الأقصى​، وشطب ​حق العودة​، ونفي أيّ حق للشعب الفلسطيني في أرضه الفلسطينية، واعتباره بموجب قانون «الدولة القومية اليهودية»، لا يملك أيّ حق في فلسطين…!

أما على الصعيد الفلسطيني فقد حصلت العملية في لحظة يحتدم فيها الصراع على الساحة الفلسطينية، على أثر فشل محادثات ​موسكو​ لرأب الصدع وإعادة الاتفاق بين ​الفصائل الفلسطينية​ على حلّ المسائل الخلافية والنهوض ب​منظمة التحرير الفلسطينية​ لتضمّ جميع القوى…

لقد أحدثت العملية النوعية والبطولية ما يشبه الزلزال في داخل كيان الاحتلال، وعكست جملة من الدلالات المتعدّدة الهامة وأدّت إلى تحقيق عدة نتائج…

اولاً: على صعيد الدلالات، إنّ طريقة تنفيذ العملية كشفت عن تطوّر هامّ في تنفيذ العمليات المسلحة من قبل شبان الانتفاضة المستمرة… تجسّد هذا التطوّر في مقدرة المقاوم أبو ليلى في الدخول إلى موقع عسكري وطعن جندي والاستيلاء على سلاحه واستخدام هذا ​السلاح​ في قتل جندي آخر، كان في الموقع، و​إطلاق النار​ على ​سيارة​ للمستوطنين وقتل حاخام ومن ثم قيادة السيارة والسير فيها في منطقة استيطانية ومراقبة أمنياً وفيها حواجز عسكرية ثابتة ومتنقلة، وإطلاق النار على تجمع للمستوطنين وإصابة العديد منهم، وبعد ذلك نجح في التواري عن الأنظار… هذه الطريقة المبتكرة في تنفيذ عملية معقدة ومركبة هو ما أعطاها هذه الأهمية من الناحية العسكرية…

أما من الناحية ​الأمن​ية فقد عكست العملية نجاحاً أمنياً تجسّد في قدرة المقاوم على التحرك نحو الموقع العسكري وتجاوز كلّ الرقابة الأمنية والعسكرية في المنطقة، وهو ما دفع أحد الخبراء العسكريين إلى وصف العملية بالمعقدة أمنياً، وما زاد في تعقيدها نجاح المقاوم عمر أبو ليلى في الهروب على الرغم من انّ ذلك ليس سهلاً، لأنه لا يسمح في هذه المنطقة لأيّ كان السير على قدميه، في حين أنّ ​العمال​ يحصلون على تصاريح للسماح لهم في العبور إلى المستوطنات في سيارات، أما المستوطنين فإنهم يخرجون ويدخلون من طريق خلفي خاص بهم…

ومن جهة أخرى دللت العملية من جديد بأنّ عمليات شبان الانتفاضة مستمرة ولم تتوفف، وانْ كانت متقطعة، ما يعني أنّ هناك استمرارية في عمليات الانتفاضة المسلحة إلى جانب الانتفاضة الشعبية المعبّر عنها في مسيرات العودة في ​قطاع غزة​، وفي الهبّات الشعبية، في ​الضفة الغربية​ والقدس المحتلة، دفاعاً عن عروبة الأرض والمقدسات من التهويد…

ثانياً: على صعيد الانعكاسات، لقد كان للعملية انعكاسات سريعة ومباشرة على الكيان الصهيوني، قيادة وجيشاً ومستوطنين، تجسّدت على النحو التالي:

1 تحطيم هيبة ​الجيش​ «الإسرائيلي» الذي يعاني أصلاً من تراجع في معنوياته وفقدان الإيمان بالقدرة على القتال البري في مواجهة المقاومين… فأظهرت العملية وأكدت هذه الحالة المعنوية المنهارة لدى جنود العدو، حيث اعترفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية بأنّ الجنود فرّوا من مواجهة المقاوم الفلسطيني، وهذا دليل واضح على جبنهم، وعدم استعدادهم لخوض مواجهة خوفاً من أن يقتلوا…

2- تنامي قلق وخوف المستوطنين على أمنهم، وما زاد من هذا القلق والخوف أنّ جيشهم غير قادر على حمايتهم، وانّ إجراءات الأمن المتخذة فشلت في منع الهجمات الفدائية التي تستهدفهم… ولأنهم ذهلوا من قدرة المقاوم أبو ليلى وشجاعته وجرأته، أطلقوا عليه اسم رامبو.. طبعاً رامبو فلسطين الحقيقي.. وليس رامبو الذي يشاهده الناس في الأفلام الأميركية.

3- ارتباك قادة العدو نتيجة العجز الذي يعاني منه جيشهم وأجهزتهم الأمنية، في مواجهة عمليات شبان الانتفاضة وعدم القدرة على منع أو تجنّب حصولها.. لا سيما أنّ العملية كانت قاسية ووجهت صفعة قوية لكلّ خططهم العسكرية والأمنية…

ثالثا: على صعيد النتائج، استنهضت العملية الناجحة بكلّ المقاييس، الشارع الفلسطيني والعربي… عكستها ردود الفعل في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي مواقف القوى السياسية، فقد تحوّل المقاوم عمر أبو ليلى إلى بطل حقيقي وأيقونة عربية فلسطينية على غرار الأبطال المقاومين الذين نجحوا في فترات سابقة في تنفيذ عمليات ناجحة ومؤلمة للعدو.. فالعملية برهنت من جديد أنّ ​المقاومة​ والانتفاضة هي السبيل لإحباط مخططات ومشاريع الاحتلال الذي يتمادى في عدوانه وإرهابه وسرقته للأرض الفلسطينية، أما خيار المساومة والمهادنة الذي اعتمد منذ توقيع اتفاق ​أوسلو​ المشؤوم فإنه لم يؤدّ سوى إلى تشجيع الاحتلال على مواصلة احتلاله وعمليات استيطانه وتهويده لأرض فلسطين، والتسبّب في إحداث الشرخ والانقسام في الساحة الفلسطينية والذي استفاد منه كيان الاحتلال إيما استفادة.. وأكدت انّ الوحدة الوطنية الحقيقية إنما تتجسّد في ميدان مقاومة الاحتلال وهو ما برهنت عليه نتائج العملية التي تجسّدت بترحيب الجماهير الفلسطينية بها ونزول المواطنين إلى الشوارع احتفالاً بنجاح العملية…