عندما كانت ​الحكومة​ قيد الصنع، قال محلّلون أن الملفات الكبرى التي تنتظرها بعد ولادتها ستفجرها من الداخل. يومها ظنّ القيّمون على الحكومة والتسوية الرئاسيّة أن هذه الملفات سُتعالج بهدوء ورويّة، ولكن يتبين اليوم ان لا مكان للهدوء في أيّ ملف تتداخل به المصالح الداخليّة بالخارجيّة، خصوصا بظل الصراعات الاقليمية التي تلقي بظلالها، كما دائما، على لبنان.

يعتبر ​ملف النازحين السوريين​ بحسب مصادر سياسيّة، القنبلة الابرز التي تواجه الحكومة الجديدة، وقد لا تحتاج مسألة سقوطها الحكومة، خصوصا أن وجهات النظر في هذا الأمر باتت تخضع لمطالب وإملاءات خارجيّة بحيث يصعب على الداخل التفاهم بشأنها. وتؤكد المصادر الوزارية أن فريق ​رئيس الجمهورية​ والحلفاء في ​8 آذار​ أخذوا قرار التنسيق مع ​سوريا​ وإعادة النازحين منذ ما قبل ​تشكيل الحكومة​، بينما كانت مواقف ما تبقّى من فريق ​14 آذار​ معارضة، مع وجود موقف متمايز لرئيس الحكومة ​سعد الحريري​.

في السيّاسة، لم يكن الحريري منذ شهرين كما هو اليوم، تقول المصادر، مشيرة الى أن الرجل كان بجوّ إعادة العلاقات مع سوريا من خلال زيارات الوزراء التي ستحصل، وكان كل همّه ألاّ يُحشر أمام الرأي العام في هذا الملف، أيّ ألاّ يقول الوزراء أن الزيارات تأتي بتكليف منه. اما بشأن ملف النازحين، فتكشف المصادر أن رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ أبلغ الحريري بنيّة التوجه نحو إقفال ملفّ النازحين بالتنسيق مع سوريا، الأمر الذي لم يلقَ معارضة من رئيس الحكومة الذي لعب في الجلسة الأولى لحكومته عند فتح هذا الملفّ دور المتفرّج على صراع عون-القوات، مشددة على أنّ هذا الموقف تبدّل لأسباب متنوعة.

اذا، تبدل موقف الحريري من موضوع النازحين، وبات أقسى من موقف ​القوات اللبنانية​، الأمر الذي يوحي بأن أمر عمليّات خارجي قد صدر ولم يتمكّن رئيس الحكومة من الوقوف بوجهه، ولا شك بحسب ما تكشفه المصادر أنّ هذا الأمر مصدره ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة التي تكثّف زيارات مسؤوليها الى لبنان لمنعه من التقارب مع سوريا، والوقوف بوجه التنسيق الذي ينطلق من ملفّ النازحين وينتقل الى ملفّات أخرى سياسيّة واقتصاديّة وامنيّة. وهنا ترى المصادر الوزاريّة أنّ الحريري بات ملزما بالرضوخ للمطالب الأميركيّة-السعوديّة، فالمطلوب اليوم وقف التنسيق مع سوريا أو تقليله، والعمل على منع عودة النازحين للحاجة اليهم في لبنان تمهيدا لتحقيق أهداف سياسيّة بعيدة المدى.

إن هذه المطالب الخارجيّة التي تمظهرت في مؤتمر ​بروكسل​ للنازحين لن تُبْلَع بسهولة من قبل الفريق المطالب بعودة العلاقات مع سوريا وعودة النازحين اليها. وفي هذا السياق تكشف مصادر فريق 8 آذار أن بقاء النازحين في لبنان أخطر بكثير من زوال الحكومة، لأنّ استقالتها ودخول مرحلة ​تصريف الأعمال​ وإن استمرت لأشهر أقلّ تأثيرا في كل الجوانب من بقاء النازحين في لبنان تمهيدا لمحاولة توطينهم. وتكشف المصادر أن الرئيس عون مستعدّ للمضي نحو النهاية في هذا الملفّ، حتى وإن استدعى الأمر سقوط الحكومة، مشيرة الى أنّ أكبر جريمة في حق لبنان هي تكرار تجربة اللجوء الفلسطيني، بجنسيّة سوريّة.

تكشف المصادر أن أعداد النازحين الذي يخرجون من لبنان يوميا لا يصل الى حدود الـ500 شخص، بينما يدخل إليه عدد أقل من ذلك بقليل سواء من خلال المعابر الشرعية او غير الشرعية، ما يعني اننا نحتاج عشرات السنوات لانتهاء هذه الأزمة اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، مشيرة الى أنّ الحكومة السوريّة تشجع على العودة وتقوم بإجراءات تساعد المطلوبين للخدمة العسكريّة، انما هذا كلّه لا ينفع بظل المواقف الداخليّة الحاليّة.

وتضيف، "تحمّل فريقنا السياسي الكثير في الفترة الماضية لأجل الاستقرار السياسي، ولكن يخطىء من يظن اننا نفرّط بالوطن لأجل هذا الاستقرار الموجود حاليا"، مشيرة الى أنّ الفريق الآخر له كامل الحريّة باتخاذ المواقف التي يراها مناسبة ولكن ليس له سلطة أخذ لبنان الى الهاوية، لذلك يحب أن يفهم الجميع أننا لا نساوم على لبنان لأجل حكومة.

لا يريد فريق 8 آذار التصعيد وهو يتمسك بالتهدئة طالما لا يتمّ وضع "وجود" لبنان على المحكّ، ولا شكّ أن الساعات الماضية كانت أقلّ حدّة من الأيّام الماضية، والامتحان المقبل في اجتماع الحكومة الخميس!.