لم تغب تداعيات ونتائج ملف ​النازحين​ من ​سوريا​ الى ​لبنان​ عن الساحة اللبنانية منذ بداية الحرب في سوريا قبل اكثر من ثماني سنوات، لا بل تحولت الى ​قنبلة​ موقوتة يترقب ​اللبنانيون​ موعد انفجارها. ولكن، رغم كل هذه التحذيرات وبوادر القلق، تبقى الاطراف اللبنانية في وادٍ والواقع المعاش في وادٍ آخر. وبدل ان يتوحّد اللبنانيون حول موقف وكلمة تجمعهم كرزمة واحدة رافضة لواقع لا يرغبون ان يُفرض عليهم ولا ان يعيشه النازحون انفسهم، تراهم يتناقلون القنبلة الموقوتة من يد الى اخرى ويمثّلون مسرحية فاشلة وسيئة في اظهار انفسهم "ملائكة الرحمة" و"طالبي الحل".

من هنا، تعددت المبادرات وفق الرؤى السياسية، وبدل ان يكون التنافس على وضع تصور موحّد يلقى الدعم الكامل من مختلف الاحزاب والشرائح اللبنانية ويهدف الى عودة النازحين الى ديارهم، وفق رغبة اللبنانيين ورغبة السوريين انفسهم، بات التنافس على العناوين الفرعية تحت ستار رفض التطبيع مع سوريا تارة، او انتظار الحلّ السياسي تارة اخرى، او "تنظيم" تواجد النازحين بالتعاون مع المنظمات الدولية... وهي كلها امور لا تصيب الهدف، حتى اننا بتنا كمّن يشاهد هذه "القنبلة الموقوتة" ويعدّ الثواني كي تنفجر في وجهه. وفي خضم هذا الواقع الاليم، يبشّر البعض بأنّ وزير الخارجية الاميركي ​مايك بومبيو​ يحلّ ضيفاً على لبنان حاملاً شروطاً ثقيلة على لبنان في ما خص مسألة النازحين. من الطبيعي الا نتوقع ان يحلّ اي مسؤول عربي او اجنبي حلولاً لمشكلة النازحين في لبنان، فالمسألة بعيدة عنهم ولا تعنيهم الا حين يتآكل البلد ويصبح الخطر على ابواب الدول الاخرى، عندها يتم التحرّك الجدّي. فها هو مؤتمر بروكسل لم يعد الا باليسير من الحلول، وبقي الكلام محصوراً بالمساعدات الواجب تقديمها للنازحين، وفي لبنان، بقي المؤتمر الذي عقده ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ في اطار التساؤلات رغم انه حمل عنوان: "لبنان والنازحون من سوريا-الحقوق والهواجس وديبلوماسية العودة"، ولكنه لم يقدّم فعلياً أيّ خطة او مبادرة شاملة ملموسة للسير بها لتكون بادرة الحل المنشود.

ولكن الخوف الاكبر ألاّ يتمكن ​مجلس الوزراء​ من الاتّفاق على مثل هذا الهدف، ليحمل مبادرة او خطة ويعمد الى تسويقها اقليمياً ودولياً، والتلهّي بالخلافات السياسيّة والمناكفات الشخصيّة فيما مصير البلد اصبح على المحكّ.

باختصار، انها صرخة أخيرة قبل انقطاع الاصوات، دعوة صريحة كي لا نكون الشعب الوحيد افي العالم الذي "حفر قبره بيده" لان مشكلة النازحين تتفاقم والامور ليست على ما يرام، ومن غير المسموح الا نتفق كلبنانيين على مصير بلدنا، لانّ عدم التوافق على خطّة او مبادرة واحدة يعطي رسالة الى الخارج مفادها ان تدخلّه مقبول ومرغوب من اجل زيادة الشرخ بين اللبنانيين، وتأخير الحل ان لم يكن الغاؤه بشكل دائم.

قد يختبىء البعض خلف اصبعه ويكيل الاتهامات لمثل هذا الكلام عبر اعتماد العنصريّة والكراهيّة وغيرها من التسميات، لكن كل ذلك لن يحجب المشكلة الواقعيّة ولا حقيقة ان اللبنانيين باتوا ينافسون السوريين على لقمة عيشهم، فأصبحنا نشتاق ان نرى في شوارعنا مجموعات لبنانيّة تسير على الطريق، او حتى متسول لبناني يستعطي من المارّة ولو انه مشهد غير مناسب. لقد وصلنا الى حافّة الهاوية، فالنازحون أمامنا و​الهجرة​ خلفنا.