يمكن القول ان جيلاً كاملاً من ​الجزائر​يين سيجد نفسه "ضائعاً" بعد نحو 20 سنة على اعتياده على اسم وحيد ل​رئاسة الجمهورية​ في البلاد هو: ​عبد العزيز بوتفليقة​. هذا الاسم الذي رافقهم منذ العام 1999، نجح في قلب المقاييس على الصعد كافة، فكانت ولاياته المتعاقبة الاطول في تاريخ الجزائر، متخطياً الرئيس الراحل هواري بومدين (حكم لمدة 13 سنة).

واللافت في فترة حكم بوتفليقة انه تمكن من الامساك بمقاليد السلطة لعقدين من الزمن، فيما كانت الرئاسة قبله تنتقل، منذ سنة 1979 وحتى سنة 1999، بين اربعة رؤساء اطولهم حكماً كان بومدين (13 عاماً) واقصرهم فترة كان محمد بو ضياف (6 اشهر قبل اغتياله). هذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى القبول الخارجي ببقاء بوتفليقة طوال هذه الفترة من جهة، وبقدرته على ابقاء الامور تحت سيطرته من جهة ثانية. ولحسن حظ بوتفليقة ان الفترة التي حكم فيها الجزائر كانت تتطلب ثباتاً واستقراراً في هذه المنطقة، قبل ان تشتعل ثورات ما سمّي بـ"الربيع العربي" والتي اطاحت بالصورة الاقليمية فاشتعلت ​ليبيا​، وعرفت تونس اياماً صعبة، ولا يزال ​المغرب​ يعيش بقلق، فيما كانت دول افريقية اخرى على الحدود مع الجزائر تعيش حالة ترقب لما ستؤول اليه الامور.

نهاية حقبة بوتفليقة كانت مدروسة، فهو كان يحكم "غيابياً" لفترة لا بأس بها بفعل مرضه الذي شلّ حركته وادى الى غيابه عن الساحة لتبقى صورته فقط. وبعد انتهاء موجة الحروب ومع بدء المفاوضات للحلول السياسية، اصبح من الممكن احالة بوتفليقة الى التقاعد، ولم يعد هناك من خوف لانتشار موجة من الفوضى في الدول المجاورة وبالاخص تونس وليبيا والمغرب، لان الموقع الجغرافي للجزائر يجعلها محورية بالنسبة الى الدول التي تتشارك معها الحدود، على الصعيدين الامني والاقتصادي وهما عاملان اساسيان في استقرار اي دولة. بداية نهاية حياة بوتفليقة السياسية كانت مرتقبة، وبدأت تأخذ شكلها شيئاً فشيئاً مع اعلان الترشح لولاية خامسة، حيث توالت ردود الفعل واخذت بالنمو وتخلى عنه الجميع يوماً بعد يوم الى ان وصل الى النتيجة المعروفة.

اليوم، تبدو الجزائر على مفترق طرق، فإما البقاء على النهج المتّبع في معظم ​الدول العربية​ لناحية فترات الحكم الطويلة، وإما اعتماد نهج جديد قد يكون اكثر ملاءمة لما يتم تحضيره للمنطقة بشكل عام. وبأي حال، فإن الامر لن يعود حتماً الى الجزائريين فقط، بل سيكون ضمن صورة شاملة على الغرب ان يوافق عليها ويضعها موضع التنفيذ، بحيث يمكنه في أيّ وقت التلاعب بالوضع العام للجزائر والدول المحيطة. لذلك، من غير المرجّح ان يتبوأ السلطة شخص عسكري، رغم انه غالباً ما يعود للجيش الكلمة الفصل في أي انقلاب او تغيير في السلطة، ولكن الاوضاع اليوم تتطلّب وصول شخصيّة مدنية كما هو الحال في الدول الاخرى، والا فإن بقاءه سيجعله مفاوضاً صعباً وقد يؤدّي الى الاطاحة به عبر عملية اغتيال كما حصل مع الرئيس السابق بو ضياف.

ليس من المستغرب ان يتشبّث بوتفليقة بالسلطة حتى اللحظة الاخيرة، لانه يدرك ايضاً انه لم يعد صالحاً للحكم وبأنّ اللحظات الاخيرة له كرئيس هي آخر ما تبقّى له من حياته السياسيّة، وفيما تتخوف دول عربيّة على الحدود مع الجزائر من أيّ تدهور في الاوضاع يعقب انتهاء حكم بوتفليقة وفي مقدّمها تونس التي تعتبر الجزائر بمثابة الشقيقة الاكبر الاكثر تأثيراً عليها، فإنّ مجمل القراءات السياسيّة تفيد بأن الانتقال لن يكون دامياً او متوتراً، بل سيكون بأقلّ قدر من المفاجآت وكلفة التغيير.