يوم أمس كان يوماً كشفت فيه الولايات المتحدة بشكل سافر عن طبيعتها الاستعمارية العدوانية بأبشع صورها فجاجة ووقاحة، عندما استكمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة الاغتصاب والاحتلال الصهيوني في سياق تنفيذ صفقة القرن، بإعلان تأييده ودعمه قرار حكومة العدو الصهيوني ضمّ الجولان السوري المحتلّ منذ 48 عاماً، في وقت كان فيه وزير خارجيته في بيروت يحرّض اللبنانيين ضدّ مقاومتهم البطلة التي حرّرت أرضهم، وحققت لهم الكرامة والعزة، وأنهت زمن العربدة والعدوانية الصهيونية… هذه هي السياسة الأميركية القائمة على السعي الدائم لتمكين العدو الصهيوني من تكريس احتلاله ومحاصرة المقاومة التي هزمت وأذلّت جيشه، وليس منتظراً أن تكون السياسة الأميركية غير ذلك… فهي كانت ولا تزال تمدّ كيان الاحتلال بكلّ عناصر القوة، وتمكّنه من مواصلة احتلاله واغتصابه لأرض فلسطين والتنكّر لحقوق الشعب الفلسطيني، وشنّت الحروب المباشرة وغير المباشرة في العراق وسورية واليمن ولبنان وقبل ذلك ضدّ إيران الثورة، في سياق مخطط استهدف تدمير الدول التي تشكل خطراً على مشروع الاحتلال الصهيوني.. ولهذا لم تكن واشنطن يوماً وسيطاً في الصراع، ومن اعتقد ذلك يحصد اليوم الخيبة والخذلان…

لكن ما هي الأهداف التي سعت إليها إدارة ترامب من وراء هذه الهجمة المسعورة ضدّ الحقوق العربية في الجولان وفلسطين المحتلين، وضدّ المقاومة في لبنان؟

الهدف الأول: محاولة تعويض كيان العدو عن فشل الحروب والمشاريع والمخططات الأميركية الصهيونية في القضاء على محور المقاومة، أو إضعافه بعد إخفاقها في إسقاط حلقته المركزية المتمثلة بالدولة الوطنية السورية المقاومة بقيادة الرئيس بشار الأسد… ان فشل الحرب الإرهابية الكونية في تحقيق هذا الهدف الأميركي الصهيوني وانتصار محور المقاومة في سورية وخروج الجيش السوري، بعد ثماني سنوات من هذه الحرب، أكثر قوة قتالية، وأشدّ بأساً وخبرة في الميدان وأفضل تسليحاً وقدرة ردعية، إلى جانب تزايد قدرات المقاومة الصاروخية في لبنان وتمرّسها على كلّ أشكال القتال في سورية، كلّ ذلك بات يثير القلق والخوف لدى دوائر القرار في كيان العدو الصهيوني، الذي بات يدرك أنه أصبح مطوّقاً ببيئة جديدة لقوى المقاومة المنتصرة لأول مرة منذ اغتصابه لأرض فلسطين سنة 1948…

الهدف الثاني: العمل على تشديد الحصار الذي تفرضه واشنطن على المقاومة وبيئتها والمؤيدين لها… والسعي إلى تحريض وكلاء واشنطن في لبنان والدول العربية التابعة للولايات المتحدة، ضدّ المقاومة، من خلال العمل على محاولة إثارة الفتنة في مواجهتها وشنّ الحرب السياسية والإعلامية لتشويه صورتها، وطبعاً المال المطلوب لهذه المهمة حاضر وهناك من هو جاهز للدفع من أنظمة النفط لتنفيذ هذه المهمة التي تخدم العدو الصهيوني… هذا الهدف كان واضحاً وضوح الشمس في المواقف المسمومة التي أعلنها بومبيو من أمام مبنى الخارجية اللبنانية إثر اجتماعه مع نظيره وزير الخارجية جبران باسيل…

الهدف الثالث: منع إقامة أيّ علاقات تعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بزعم أنّ إيران لا تريد الاستقرار في لبنان وانّ محاولات شركاتها «تبييض الأموال تضع لبنان تحت مجهر القانون الدولي»… ومن الواضح أنّ هذه رسالة تهديد أميركية للبنان من أنه سيتعرّض للعقوبات الأميركية إذا قبل بالمساعدات الإيرانية المعروضة عليه لحلّ أزماته..

الهدف الرابع: إذا كان بومبيو لم يشر في تصريحاته إلى مسألة الحدود البرية والبحرية إلا أنها كانت حاضرة في مباحثاته مع المسؤولين اللبنانيين كافة، وهو حاول تسويق تسوية تخدم الأهداف والأطماع الصهيونية في أراضي وثروات لبنان…

غير أنّ هذه الأهداف التي سعى إليها بومبيو خلال لقاءاته ووجهت بموقف وطني استقلالي من قبل رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، ووزير الخارجية جبران باسيل، الذي ظهّر موقف لبنان بوضوح وحزم برفض توصيفات بومبيو العدائية للمقاومة والتدخل في شؤون لبنان الداخلية، والتأكيد على التمسك بحقوق لبنان.. وقد وجه الوزير باسيل صفعة قوية لنظيره الأميركي، عندما أكد بحضوره للصحافيين أنّ حزب الله هو حزب لبناني غير إرهابي ويتمتع بدعم شعبي كبير ولديه نواب منتخبون ولبنان يرغب بعدم التدخل بشؤون الآخرين كي لا يتدخل الآخرون بشؤونه».. مشدّداً «على حق لبنان بالدفاع عن نفسه ومقاومة احتلال أرضه، وهذا حق مقدس».

على أنّ المواقف العربية والدولية الشاجبة والرافضة لموقف الرئيس الأميركي بتأييد القرار «الإسرائيلي» ضمّ الجولان المحتلّ للكيان الصهيوني الغاصب في تحدّ سافر للقوانين والقرارات الدولية، جاءت لتشكل صفعة قوية للسياسة الأميركية، وتفاقم من عزلة الولايات المتحدة.. وبهذا تكتمل صورة فشل السياسة الأميركية في محاولة تعويض هزائمها في المنطقة، فوزير الخارجية الأميركي لم يحصد في بيروت سوى الخيبة كما أسلافه، وما فشلت فيه القوة الصهيونية والأميركية لن تنجح المحاولات القديمة الجديدة في تحقيقه عبر إثارة الفتنة في لبنان، فموازين القوى التي انتجتها الانتخابات في مصلحة المقاومة والقوى الوطنية، جعلت من موقف لبنان الرسمي أكثر تماهياً مع مقاومته، وهذا ما لم تدركه إدارة العدوان في البيت الأبيض الأميركي