استبعد العميد المتقاعد والدكتور المحاضر في الجامعة ال​لبنان​ية وجامعة القديس يوسف، ​محمد رمال​ أن تكون الحريات في لبنان في خطر، مذكرا أنه منصوص عليها في ​الدستور​، وهو الذي يكفل ممارستها، وفي مقدمها حريّة الرأي والتعبير والمعتقد وسواها من الحريات، لافتا الى انه في النص فانّ الحريات مصانة لكن في التطبيق العملي اشياء لا تسير وفق آليّة قانونيّة.

واعتبر رمال في حديث لـ"النشرة" أنّه "يتم أحيانًا تجاوز الحدود التي يكفلها الدستور، إما عن قصد بسبب التسيّب والاجتهاد في ممارسة الحريّات، وإما عن غير قصد على افتراض أنّ هامش الحريّات مطّاط لدرجة أنّه يتسع لممارسات تناقض حقوق الأفراد والجماعات، وهذا الهامش المطّاط لا يستغلّه الأفراد وحدهم بل تستغلّه السلطة أيضًا عندنا، بحيث تعتمد الاستنسابيّة في توصيف الحالات التي تتجاوز مبدأ الحريّات، فيُحكى عن صيف وشتاء تحت سقف واحد، ونسمع اعتراضات من هنا وهناك على أحكام وإجراءات قانونيّة طبقت هنا ولم تطبق هناك، تناولت خرقًا للحريات هنا ولم تتناوله هناك".

وردّا على سؤال عما إذا كان من المفترض أن يخضع الناشطون على وسائل التواصل لنفس القوانين والشروط التي يخضع لها الاعلاميّون، قال رمال: "عندما كفل الدستور الحريّات العامّة، ومنها حريّة إبداء الرأي والحقّ في التعبير أجاز للأفراد التعبير بمختلف الوسائل، حينها كانَ المقصود ​الصحافة​ المكتوبة والمرئيّة والمسموعة ورفع اللافتات والتظاهر... وقتها لم تكن ​وسائل التواصل الاجتماعي​ قد ظهرت بعد، وعليه وضعت القوانين التي تضبط عمل الإعلام بأشكاله المختلفة، وأنشئت ​محكمة المطبوعات​ للنظر في مخالفات الإعلاميين ل​قانون المطبوعات​، كالذم والقدح والتشهير، كما أتاح قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع ممارسة الحريّات المنصوص عنها في الدستور". واشار الى انه "عندما انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن مشمولة بأيّ من القوانين السابقة، لكن البعض انطلق من أن القانون قد كفل حريّة التعبير بمختلف الوسائل، ما يعني أنّ مفهوم الوسائل يتسع ليشمل ما ظهر منها بعد صدور القانون ولو لم يشر اليه المشرّع في حينه، على اعتبار أنّ وسائل التواصل لم تكن موجودة آنذاك". وقال: "قبل الحديث عن أيّ ملاحقة لأيّ ناشط سواء أكان إعلاميًا أم لا، فالمطلوب أولًا وضع قوانين تضبط شؤون قطاع التواصل الاجتماعي، فتحدّد هامش الحريات المتاح أمام الجمهور، ويكون ذلك مدخلًا لضبط حركيّة هذا القطاع".

وردّ رمال المأزق الاقتصادي الذي تعاني منه وسائل الإعلام الى أسباب كثيرة منها ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية الألكترونية ما حدّ كثيرًا من إقبال القراء والمشاهدين والمستمعين على الصحافة المكتوبة والمرئيّة والمسموعة، وأضاف: "كما ساهم تراجع سوق الإعلانات في تقليص حجم الموارد الماليّة لوسائل الإعلام بسبب الضائقة الإقتصاديّة التي يعاني منها السوق المحلّي والعالمي، ناهيك عن التبعيّة السياسيّة لبعض وسائل الإعلام، والتي تبقى استمراريتها محكومة بحجم التمويل ومداه الزمني وبمدى الحاجة إلى هذه الوسائل في الصراعات السياسية، حيث يخفّ الدعم المالي بانتفاء الحاجة إلى المنابر الإعلاميّة في الصراع". واعتبر انه "لا يبدو في الأفق أن هناك تطورًا إيجابيًا سيحصل لمصلحة هذه الوسائل وبما يضمن ديمومتها، فاعتماد الجمهور على التكنولوجيا للحصول على المعلومات آخذ بالتصاعد وهو سيكون على حساب الوسائل التقليديّة، التي بدورها بدأت تعي حجم المأزق المادّي الذي تعانيه، فذهبت إلى إنشاء مواقع الكترونية للحفاظ على حضورها لدى الرأي العام". وقال: "ما يُخشى منه لمواجهة هذا المأزق، هو محاولات تعويم وسائل الإعلام عبر تقديمات ماليّة وربطها بمصالح جهّات ودول، فتقع هذه الوسائل في تبعيّة سياسيّة على خلفيّة التبعيّة الاقتصاديّة، وهذا بالطبع سيكون على حساب الموضوعيّة والحريّات وأخلاقيّات المهنة".

وردا على سؤال، أشار رمال الى أنّ المحاكم الاستثنائيّة أنشئت للنظر في قضايا محدّدة، كتلك التي تمس الامن الوطني وتعرض سلامة البلاد للخطر عن طريق إثارة النعرات والعمالة والإرهاب، وبالتالي أيّ قضية تطال أيّ مواطن سواء أكان إعلاميًا أو غير ذلك، وتدخل في إطار هذه القضايا ولم يشملها قانون المطبوعات، او شملها هذا القانون ولكنها ليست من اختصاص محكمة المطبوعات، يحقّ للمحاكم الاستثنائيّة النظر فيها، وطبعًا بعد اتّباع الاجراءات التي تنصّ عليها قوانين مهنة الاعلام، أي لا يلاحق إعلامي دون العودة إلى النقابة التي ينتمي إليها، أسوة بما يحصل في ​نقابات المهن الحرة​. وقال: "أما إذا كانت القضية المحالة أمام المحكمة مشمولة بقانون المطبوعات ومن اختصاص محكمة المطبوعات، فلا يجوز التعامل معها باستنسابيّة، كأن تعرض على المحاكم الاستثنائيّة بينما قضايا مماثلة لها تبتّ فيها محكمة المطبوعات، وهذا يتطلب تحديد صلاحيات المحاكم واختصاصها وطبيعة القضايا التي تنظر فيها، ومنع التداخل والاستنسابيّة في تصنيف هذه القضايا، وترك السلطة القضائيّة تعمل بموجب القوانين من دون أيّ تدخل أو ضغوط، ولو اقتضى الأمر توسيع صلاحيّات محكمة المطبوعات للنظر في كل ما يتّصل بقضايا الإعلام، إلا ما كان يندرج منها في خانة تهديد الأمن القومي، فهذه القضايا يجب أن تكون حصرًا من اختصاص جهّة قضائيّة واحدة".