أنعم الله علينا، نحن أبناء لغة الضاد، ​اللغة​ العربية، بلغةٍ فيها من الغنى والتنوع والمرادفات، ما لا نجده في لغة أخرى، وبمقدار ما هي غنية، بمقدار ما هي واضحة وساطعة إلى درجة انها لا تترك مجالًا للإلتباس.

اللغة العربية، بهذا المعنى، هي لغة حلّ، لكنها تصبح لغة مشاكل إذا واجهت مَن لا يُمعن في القراءة.

وعلى هامش هذه اللغة، وبأهميتها، هناك "التنقيط" ولكل شيء في هذا المجال معناه: فالنقطة لها معنى، والفاصلة لها معنى، والثلاث نقاط لها معنى، والنقطة فاصلة لها معنى، والقوسان لهما معنى، والمزدوجان لهما معنى، أما الطامة الكبرى والكارثة الكبرى فحين تختلط الأمور على القارئ فلا يعود يميز بين النقطة والفاصلة وبين المزدوجين والقوسين.

وليعذرنا القارئ، فهذا ليس درسًا في اللغة العربية وفي المرادفات والتنقيط بل هو محاولة جديدة للتمتّع في مفهوم اللغة العربية.

في مقال سابق الأسبوع الفائت، وردت جملة كانت بدايتها كما يلي:

"إن وضع وسط ​بيروت​ و"​سوليدير​" لن يبقى كما هو عليه". انتهت الجملة وتم وضع نقطة.

هذا يعني في اللغة العربية وفي "قواعد التنقيط"، أن الجملة غير مرتبطة لا بما قبلها ولا بما بعدها، فماذا تعني؟

لو أُعطيت هذه الجملة لأي طالب في الصفوف الإبتدائية، وطُلِب منه أن يفسرها، لجاء التفسير "أن وضع ​وسط بيروت​ و"سوليدير" لن يبقى كما هو عليه" يعني إحتمالين: إما نحو الأحسن وإما نحو الأسوأ، ولكن بالتأكيد لن يبقى كما هو عليه.

وعند تعدد الإحتمالات تكثر الإجتهادات بحسب مزاج مَن يقرأ: فإذا كان متشائمًا ومكتئبًا، جاء تفسيره متشائمًا، وإذا كان متفائلًا وبشوشًا، يأتي تفسيره متفائلًا.

ومن هنا جاءت العبارة الشهيرة: "النصف الملآن والنصف الفارغ من الكوب"، فالمتفائل يرى النصف الملآن، والمتشائم يرى النصف الفارغ.

الذي قرأ الجملة الآنفة الذِكر عن وسط بيروت، يبدو أنه متشائم، فعكَس تشاؤمه على التفسير الذي أعطاه، في هذه الحال نكون أمام مهمتين، تكادان ان تكونا مستحيلتين: الأولى القراءة الصحيحة والتفسير الصحيح. والثانية التفاؤل، وما حيلتنا في هذين المستحيلين؟

أما نحن فنعود إلى ما كتبنا، وإلى الجملة المقصودة بالذات:

"إن وضع وسط بيروت و"سوليدير" لن يبقى كما هو عليه".

نعرف، ويعرف القاصي والداني أن "سوليدير" هي:

Société Libanaise pour le Développement et la Reconstruction

وأنها شركة عقارية أسهمها مدرجة في ​بورصة بيروت​.

وأن هناك مستثمراً أو أكثر راغباً في شراء كمية كبيرة من الأسهم فيها لأنه من خلال شركاته ومكاتب الاستشارات التي يعمل معها، يُدرك ان مستقبلًا واعدًا ينتظر هذه البقعة التي لا فضل ولا منّة من أحد سوى حلم الرئيس الشهيد ​رفيق الحريري​ طيب الله ثراه، باعادة إعمار بيروت "درة الشرق" و"ام الشرائع" وأن دورها عائدٌ لا محال خصوصًا ان لا عاصمة إستطاعت ان تأخذ دورها.

هذه المعطيات هي التي جعلتنا نكتب "وضع سوليدير لن يبقى كما هو عليه".

فأين الغرابة، ولِمَ الاتهام بسوء النية؟

أين الخطأ في ان نكشف ما نملك من معلومات نعتبرها إيجابية وتصب في مصلحة الاستثمار في البلد؟

أين الخطيئة في ان نضيء شمعة بدلًا من ان نلعن الظلام؟

لماذا ممنوع علينا ان نتفاءل وأن نعمم التفاؤل؟

فإقتضى التنويه.