في علم السياسة، وحين بدأ المفكِّرون يضعون تعريف المصطلحات، جاء تعريف الديموقراطية على أنها "حكم الشعب للشعب بواسطة الشعب"...

كل بلد أخذ من هذا التعريف "قطعة البازل" التي تناسبه. من الدول مَن اختار الانتخابات النيابية، من الدول مَن اختار الانتخابات لكنه تحكَّم بالنتائج. ومن الدول مَن اتخذ الديموقراطية واجهةً لممارسات طائفية ومذهبية وعشائرية وعائلية، وكلها تحت اسم الديموقراطية، فكان الإنتماء إلى الزعيم أو إلى رئيس الطائفة أو المذهب أو إلى زعيم العشيرة أو "كبير العائلة" هو البديل من الإنتماء الى ما تفرزه صناديق الاقتراع.

عندنا في ​لبنان​ "الديموقراطية خلطة من كل شيء"، نضع فيها ما يناسبنا، ونأخذ منها ما يناسبنا، فهي "ديموقراطيةspeciale "، نادرا ما نجد مثيلًا لها في ديموقراطيات العالم.

في كثير من الأحيان نجد الشعب "الذي هو مصدر السلطات" ترك شؤون السياسة للسياسيين، وكأنه تحوَّل إلى "جالية لبنانية" في لبنان، بمعنى ان الجالية اللبنانية في الإمارات العربية المتحدة أو في المملكة العربية السعودية أو أي بلد غربي تعمل ولا تتدخل في السياسة أما في لبنان فمحكوم علينا بالسياسة والأنكى لا عمل، ولسان حال الشعب يقول: تركتُ لكم الشؤون السياسية... ثم يُكمِل: ولكن ماذا فعلتم بها وبنا؟

جاء رئيس الديبلوماسية الأميركية ​مايكل بومبيو​ إلى ​بيروت​.

وكان الكلام في وزارة الخارجية بين الوزير بومبيو ووزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل.

والموقف مشابه كان في قصر بعبدا وفي عين التينة وفي الخارجية.

هذا في السياسة والديبلوماسية، ماذا عن السياسة النقدية والأوضاع المالية؟

في الأسبوع الفائت صدر موقفان على درجة عالية جدًا من الأهمية: موقف وزير المال وموقف حاكم مصرف لبنان.

وزير المال علي حسن خليل أصدر مذكرة إلى "مديرية الموازنة ومراقبة النفقات، طلب فيها تبليغ جميع مراقبي عقد النفقات ضرورة وقف الحجز كليا لمختلف انواع الإنفاق باستثناء الرواتب والاجور وتعويض النقل الموقت".

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفي سلسلة من التغريدات قال: "تشكل الادارة الحكيمة وسيلةً لخفض عجز الموازنة (11% من الناتج المحلي 2018 في حين كان متوقعاً أن يكون أقل من 10%) لا سيما أنه بعد شهرين من تشكيل الحكومة، لم تبحث في برامج إصلاحية تضع لبنان على مسار إصلاحي، مع أن الأسواق تترقب ذلك، ما أثار ردود فعل سلبية تجسدت بارتفاع الفوائد".

"قبل الحرب اللبنانية، كان ​القطاع العام​ يشكل 17% من الناتج المحلي. أما اليوم، بات هذا القطاع يستأثر بـ 35% من الناتج المحلي، وهي نسبة مرتفعة مقارنةً بحجم لبنان، وتلقي مسؤولية كبيرة على عاتق قياديي البلد".

وفي تغريدة اخرى يقول: "سوء الادارة يسهم في عجز الموازنة والتضخم ويهدد استقرار البلد والقدرة الشرائية للمواطن. وهذا ما يثير مخاوف المؤسسات الدولية كالبنك الدولي أو الـIMF أو الـEBRD أو حتى وكالات التصنيف التي أصبحت نظرتها للبنان سلبية".

ماذا يعني هذا الكلام، سواء ذلك الصادر عن وزير المال، أو الصادر عن حاكم مصرف لبنان؟

يعني ان الرجلين يلتقيان عند مقولة "أشهد أني بلغت".

ولكن ما ذنب المواطن؟ وماذا عليه ان يفعل؟

المواطن ترك أمر السياسة إلى السياسيين، فماذا حصل؟

وزير المال يُحذِّر، وحاكم مصرف لبنان يحذِّر، ونحن "ابناء الجالية في وطننا" نأخذ حذرنا بالسؤال: أين حقوقنا؟

وللبحث صلة في ملفات الهدر والفساد.