أعْلن الرَّئيس ​البرازيل​يّ ​جايير بولسونارو​ في 31 تشرين الأَوَّل 2018، وبعد ثلاثة أَيَّام فقط من انْتِخابه رئيسًا، الحرب على ​الفساد​ وجزَم: "سنُنظِّف بلادنا من الفساد"، بعدما كان بَنى حَمْلته الانْتِخابيَّة على هذا الشِّعار!. غَيْرَ أَنَّ انْكِشاف فَضيحة ابْنِه فلافيو بولسونارو الماليَّة، جَعله يُضْطَرُّ أَوَّلاً إِلى تَنْظيف بيتِه الدَّاخليّ من الفساد. فلقَد رصَدت سلطات التَّحقيق البرازيليَّة تدفُّق زهاء 575 ألف ​دولار​ نحو الحساب المَصْرفيّ للسَّائق الخاصّ بنَجْل بولسونارو، بين 2016 و2017، في وَقْتٍ كانَت مَسْألة الفَساد أَوْلويَّة بالنِّسبة إِلى البرازيليِّين. وخطَوا بذلك –كما فعل الحِزْب الصِّينيُّ الحاكِم قبلهم بعقودٍ أَرْبعةٍ– خطواتٍ مُمَنْهجةٍ وشاملةٍ، مُسْتنِدين إِلى الصَّلاحيَّات الواسِعة المَمْنوحة إِلى الرَّئيس... فمُحاربة الفَساد تَحْتاج إِلى الصَّلاحيَّات تِلْك!.

وقد يَكون الرَّئيس البريزيليّ استَوْحى الخُطُوات الإِصْلاحيَّة من نَظيره الصِّينيّ، الَّذي بَدأَ بِدَوره شَطْف الفَساد من حِزْبه أَوّلَاً، وَقَد واصَل الرَّئيس ​شي جين بينغ​ حَمْلته الكَبيرة الخاصَّة الَّتي شَملت الآلاف من المَسْؤولين الكبار في "الحزب الشُّيوعيّ"، والمَلايين في مختلف المُؤسَّسات الحكوميَّة الصِّينيَّة. ورَأَى أَنَّ "الفساد مستشرٍ في البِلاد مثل وباءٍ يُهدِّد حياة النِّظام"...

وكما في الصِّين كذلك في البَرازيل، حَيْث جاءَت الحاجَةُ إِلى مُكافحة الفَساد قَبل الحاجَة إِلى تَطْوير النِّظام الصِّحيِّ والتَّعْليم والسَّلامة العامَّة، وبات الفَساد في أَعْلى سُلَّم قائِمة قلق المُواطِنين.

وبِسبب تورُّط بَعْض أَعْضاء الحُكومة اليَساريَّة السَّابقة في شُبُهاتِ فسادٍ، فَقد كانَت ردَّة فِعْل شريحة واسِعَة مِن البرازيليِّين هذه المرَّة، في اخْتِيار مُرشَّحٍ يَمينيٍّ مُتطرِّفٍ، باعْتِباره الوَحيد الَّذي يُمْكن أَنْ يُحرِّر البَرازيل من عِلَل الفَساد، ولَمْ يَكُن هَذا الشَّخْص سِوى بولسوناروَ!.

غَيْر أَنَّ المُدَّعين العامِّين طالَبوا نَجْل الرَّئيس المُنْتخب بتَبْرير الأَمْوال المَشْبوهة في الحِساب المَصْرفيِّ العائِد إِلى سائِقه السَّابق كيروز، بَعْدما فشل الأَخير في الرَّدِّ على اسْتِفْسارات المُحَقِّقين، بِخاصَّةٍ وأَنَّ ثَمَّة تَناقُضًا بَين دَخْل كيروز الرَّسْميّ، ومُعامَلاته الماليَّة الضَّخْمة.

كَما ويَشْتَبِه المُدَّعون العامُّون، في أَنْ تَكون عائِلة بولسونارو تَسْتَخدم الرَّجل كـ"مِحْفَظة للأَمْوال الفاسِدة"، وبعد رَصْد دفَعاتٍ ماليَّةٍ من السَّائق إِلى زَوْجة الرَّئيس الجَديد. وقَد اكتَفى السَّائق وَقتَها بالقَوْل إِنَّ "أَمْواله جاءَت مِن عَمَله التِّجاريّ في شِراء السَّيَّارات وإِعادة بَيْعها"، مُتابِعًا أَنَّ المالَ الَّذي أَرْسله إِلى زَوْجة الرَّئيس "كان مِن أَجْل سَداد قَرْضٍ عَلَيْه".

كما ويَرى بَعْض المُحلِّلين البَرازيليِّين، أَنَّ الرَّئيس بولسونارو قد أَخْطأ في تَعْييناته الوَزاريَّة، بَعْدما عيَّن سَبْعة أَشْخاصٍ على الأَقلّ، مِن المُتَورِّطين في فَضائِح، من دَعاوى قضائيَّة وتَحْقيقاتٍ رَسْميَّة، إِلى إِداناتٍ جِنائيَّة وحتَّى الاعْتِراف بالذَّنْب. واسْتَند المُحلِّلون في ذلك، إِلى تَحْقيقٍ كانَ أَجْراه مَوْقع "ذي انْتِرسبْت".

وكان فَوْز جايير بولسونارو شكَّل صَدْمة وَسْط الرَّأْي العالميِّ، إِذْ بَدا أَنَّ اليَمين المُتَطرِّف عاد في لَمْحة بصرٍ إِلى أَكْبر دَوْلة في أَميركا اللاتينيَّة، بعد هَيْمنَةٍ طَويلةٍ لليَسار على الحُكومات السَّابقة في البرازيل... واستَفاد بولسونارو، القائِد السَّابِق للجَيْش، من الاضْطِراب السِّياسيّ والاقْتِصاديِّ الحاصِل في البَرازيل، مِن خِلال وَعْده بـ"تَغيير الوَضع جَذْريًا".

الكَيان الخَطِر!

يومًا بعد يوم يَكْبر السُّؤال في البَرازيل: هل تَسْقط رِئاسة بولسونارو تَحْت أَعْباءِ فَسادٍ لم تَظْهر بعد بوادر الشُّروع في مُكافحته، وجنوح لدى الرَّئيس البَرازيليّ الجَديد إِلى التَّقرُّب من إِسْرائيل، ذاك الكَيان الخَطِر في الفَلك السِّياسيِّ البرازيليِّ؟.

فَسيَزور بولسونارو "إِسْرائيل" نِهاية آذار الجاري، لكنَّه قد لا يتمكَّن مِن تَنْفيذ وَعْده بِنَقل سَفارة بِلاده إِلى القُدْس بعدما بات ضبَّاط الجَيْش في حكومَته، يُعارضون بقوَّةٍ هذه الخُطوة. وتَسْتمرُّ الزِّيارة المُرْتقبة من 31 آذار الجاري إِلى الثَّاني من نَيْسان المُقْبل. كما وأَنَّ نَقْل السَّفارة سيضرُّ بالرَّئيس البَرازيليّ سياسيًّا واقْتِصاديًّا، إِذْ ستُؤثِّر الخُطْوة سَلْبًا على صادِرات البَرازيل إِلى الدُّول العربيَّة ومِنْها مَبيعات أَغْذيةٍ حَلالٍ تُقدَّر بِحوالي 5 مِلْيارات دولار، علمًا بأَنَّ البَرازيل هي واحدةٌ مِن أَكْبر مُصدِّري اللُّحوم الحَلال على المُسْتوى العالَميِّ...

وقد نَصح فَريق بولسونارو الاقْتِصادي وجَماعاتُ الضَّغط الزِّراعيَّة في البلاد، بعدم اتِّخاذ خُطوة تُمثِّل نِهايةً لمَوْقفٍ بَرازيليٍّ تَقْليديٍّ داعمٍ لحلِّ الدَّوْلَتين للصِّراع بين الفِلَسْطينيِّين والإِسْرائيليِّين.