كل العدادات تُحتَرَم في هذا البلد، ويؤخَذ بها، إلا عدّاَد الوقت، وبكلام أكثر تبسيطًا، يقوله المواطن العادي، فالعبارة الأوضح هي: "لا قيمة للوقت عندنا، ولا احترام للمواعيد ولا للمهل"، وهذا ما يتسبب في الكثير من الأزمات التي نحن فيها اليوم.

***

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، انعقد "​مؤتمر سيدر​" ولا بد بدايةً من تعريف ما هو مؤتمر سيدر، فالتسميات تنير الطريق وتمنع الاوهام التي يطلقها البعض كمراهم والتي تكون في نهاية المطاف عبارة عن قنابل دخانية:

مؤتمر سيدر هو "المؤتمر الاقتصادي للتنمية من خلال الاصلاحات ومع الشركات".

هكذا، من خلال إسمه "يُقرأ من عنوانه" إقتصاد وتنمية وإصلاحات وقطاع خاص.

إذًا هو ليس مؤتمراً للمنح بل مؤتمر لتنظيم الإقتراض بشروط، ولهذا فإن المشاركة فيه ضمَّت 48 دولة ومنظمة وقطاعاً خاصاً.

ولهذا السبب ذهب ​لبنان​ بخطة وليس بمجرد "لائحة حاجات".

الخطة حملها معه رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ وتضمنت تعهدًا أمام كل المشاركين بزيادة مستوى الإستثمار العام والخاص، وضمان الاستقرار الاقتصادي من خلال إعادة التوازن للمالية العامة. والأهم من كل ذلك اجراء اصلاحات تكون مشتركة بين مختلف القطاعات خصوصا فيما يتعلق ب​مكافحة الفساد​ وتحديث ​القطاع العام​ وادارة ​المالية العامة​.

***

هذه الخطة "اقنعت" المشاركين في المؤتمر، فكان القرار:

قروض بقيمة 10,2 مليار ​دولار​ منها 9,9 مليار على شكل قروض ميسرة.

هبات بما في ذلك هبات لدعم ​القروض​، بقيمة 860 مليون دولار.

لكن القصة لم تنتهِ هنا، على طريقة "أنتصرنا"، بل إنها بدأت هنا من خلال التحدي الذي حتمه مؤتمر "سيدر". التحدي جاء على شكل شروط وضعها المؤتمر على لبنان، وهي:

"العمل مع الحكومة التي سيتم تشكيلها في لبنان بعد ​الانتخابات​ البرلمانية المقبلة من اجل تنفيذ برنامج الاستثمار في ​البنى التحتية​ وبرنامج الاصلاحات خصوصا من خلال وضع جدول زمني محدد للاصلاحات".

هذا الكلام كان في مطلع نيسان الماضي، فماذا تحقق منه حتى اليوم لتتشجّع الدول والمنظمات والهيئات على إيفائها بتعهداتها؟

المشكلة الأولى أن وتيرة العمل جاءت بطيئة جدا جدًا، إلى حد "إحباط أو شبه يأس" من عرابي المؤتمر.

إذ كان يؤمَل من لبنان ان تتشكّل الحكومة بالسرعة المطلوبة بعد ​الانتخابات النيابية​ التي جرت في أيار من العام الماضي، لكن الذي حصل هو العكس إذ تأخر ​تشكيل الحكومة​ شهورًا عدة فتلاشت حماسة الدول والمنظمات المعنية بمؤتمر "سيدر".

وكأحجار الدومينو، تأخر تشكيل الحكومة فتسبب ذلك في تأخير مفاعيلها، فموازنة العام 2019 التي كان يفترض ان تكون منجزة أواخر ​السنة​ الفائتة، لم تُنجَز إلى اليوم، ويجدر التذكير ان الموفد الرئاسي الفرنسي المكلف متابعة مقررات "سيدر" ​بيار دوكان​، كان حضر منذ فترة إلى ​بيروت​ وطالب بان تكون موازنة 2019 منجزة في مهلة أقصاها آخر هذا الشهر. المفارقة ان آخر الشهر هو بعد غد الأحد ولا موازنة في الأفق.

لكن، للامانة، فإن وزير المال ​علي حسن خليل​ انجز مشروع قانون ​الموازنة​ منذ ايلول الفائت، والمسؤولية في التأخير تقع على ​مجلس الوزراء​ مجتمعًا، والمطلوب وضعها على جدول الأعمال لمناقشتها وإنجازها، على الأقل قبل آخر أيار المقبل، وهي المهلة المعطاة لحق الصرف على ​القاعدة​ الاثنتي عشرية.

وليس خافيًا على أحد أن مناقشة الموازنة في مجلس الوزراء تتطلب شهراً ونصف شهر، ومدّة مماثلة لإقرارها في ​مجلس النواب​.

إذا صحت هذه الوتيرة فهذا يعني أن موازنة العام 2019، لتكون منجزة، يجب ان تستهلك من الوقت حتى آخر حزيران، هذا إذا كان عمل "العدَّاد" دقيقًا، لكن هذا ليس دقيقًا على الإطلاق لأن مشروع ​قانون الموازنة​ ما زال في الأَدراج في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

فيما الحكومة في شهرها الثالث ولم تشرع بعد في درس الموازنة.