إذا كان النقاش السياسي يجري حول ​الموازنة​ الماليّة، وضرورة بت إقرارها سريعاً من دون تأخير، مع خفض إضطراري للأرقام فيها قام به وزير المال ​علي حسن خليل​ ويستوجب موافقة القوى السياسيّة خلال مناقشة الموازنة، فإنّ السؤال الجوهري الذي بات يتردّد في الصالونات السياسيّة: هل أفلس البلد؟ أم يتّجه إلى الإفلاس؟ لم يتجرأ أيّ مسؤول على إعلان الجواب ولا مقاربة الموضوع بصراحة، بينما يقتصر التحذير على نداءات لرئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ينبّه فيها مما هو آتّ في حال لم يستدرك اللبنانيون الأمر سريعا، بدءاً من بتّ امر الموازنة، بإنتظار أن تتحمّل جميع القوى مسؤولياتها في إقرارها من دون تعديلات ترفع من نسب ​العجز المالي​.

إذا لم يكن البلد قد دخل في خانة الإفلاس، فإن كل ما يجري يوحي بصعوبات ماليّة جمّة، حيث لا قدرة لخزينة الدولة على الصرف، بغياب الموارد الماليّة. كل القطاعات التي يجب ان تدرّ الأموال إلى الخزينة هي مدعومة من الدولة بسبب خسائرها، بينما جفّت المصادر الماليّة التي كانت تأتي من الخارج: لا قروض بإنتظار إجراء إصلاحات جذريّة قاسية يطالب بها ​المجتمع الدولي​، كما عبّر مسؤول ​البنك الدولي​ منذ أيام، ولا تحويلات ماليّة من المغتربين بسبب الأزمة الماليّة التي تضرب العالم، والعقوبات الماليّة الأميركية، وسقوف وشروط التحويلات التي باتت صعبة جداً.

أمام هذا الواقع يسأل سياسيّون في جلساتهم: إلى متى نتحمّل الأزمة المستورة؟ هل تنفجر فجأة؟ يعوّل لبنان على تسييل مقررات مؤتمر "سيدر"، لكن الشروط الإصلاحية التي وضعتها الدول لم ينفذ لبنان منها حرفاً واحداً، ولم تُقنع إلتزاماته الإنشائية تلك الدول، وفي الطليعة ​فرنسا​. هذه المرة لن تكون القروض ميسّرة، في ظل رهان لبناني على دعم أجنبي لا يسمح بغرق لبنان في الإفلاس، خشية تفلّت ​النازحين السوريين​ نحو اوروبا في هجرات غير شرعية مفتوحة عبر البحر.

لكن يلمس سياسيّون ضغوطات أميركيّة تمنع الدول الأوروبيّة من تسهيل خطوة إمداد لبنان بالقروض المالية، للتضييق على "حزب الله"، والإيحاء ان الحزب مسؤول عن الأزمة الماليّة. وهو هدف أميركي مدروس بإحكام. لكن الرهان الأميركي لن يفيد الغرب، لأن الواقع مغاير تماماً.

يحصل كل ذلك بغياب خلية إدارة للازمة في لبنان، تضع سيناريوهات الحل، وتتحضّر لإعلام الجمهور بما هو آت.

فالتقشّف في لبنان لا يكفي وحده، ولا يحدّ من مزاريب الهدر، ولا معاقبة صغار الفاسدين، رغم أهمية الخطوة، تكفي للحد من الفساد، لأنّ الفساد الاعظم هو في صفقات "كبار" وسمسرات وسرقات موصوفة لها أبطالها، حتى الآن لم يردعهم أحد عن ممارساتهم. هم يتحمّلون مسؤولية منع الإصلاحات، ويحاولون تأخير الخطوات المطلوبة لمد المجتمع الدولي لبنان بالمال، لأن تلك الخطوات تحدّ من ممارساتهم، وتضع شروطاً ورقباء يمنعون من سرقاتهم المكشوفة. لذلك، فإن إجراءات منع لبنان من الوقوع في حفرة الإفلاس تبدأ من هنا، وتستكمل طريقها الطويل، الذي يمر بتنمية الأرياف بالزراعة المنتجة، والصناعة المنافسة، والبدء بالخطوات النفطية والغازية، والحد من هدر الاموال في الكهرباء، ويصل إلى تنفيذ خطة إنتاجية متكاملة لم تظهر معالمها حتى الآن. فالحكومة تعمل من دون خطط، بل بخطوات إرتجالية، عشوائية، وردّات فعل بالمفرق، بينما تغيب الإستراتيجية المنقذة للبلد من الإفلاس. فهل يكون لبنان كما كان اليونان؟ هناك انقذت أوروبا أثينا بشروط لم تكن تعجيزية، بينما يتعامل اللبنانيون مع الشروط الموضوعة على انها تعجيزية.