من المُنتظر أن يتحوّل الإهتمام على المُستوى الداخلي خلال الأيّام القليلة المُقبلة، من ملفّ النازحين السُوريّين في لبنان، والذي بحثه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بالتفصيل خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا، وكذلك خلال مُشاركته في أعمال القمّة العربيّة في تونس، إلى ملفّات داخليّة ضاغطة وأساسيّة بالنسبة إلى مُستقبل الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة في لبنان.

الملفّ الأوّل خاص بخطّة وزيرة الطاقة والمياه ​ندى بستاني​ لإصلاح ​قطاع الكهرباء​، والتي ستكون مدار بحث على طاولة جلسة ​مجلس الوزراء​ المُقبلة، في حال مهّد الإجتماع الثاني المُرتقب للجنة الوزارية المُكلّفة دراسة هذه الخطّة الطريق لإنتقال النقاش من مُستوى اللجنة الوزارية إلى مجلس الوزراء مُجتمعًا. وليس بسرّ أنّ أكثر من فريق سياسي لديه تحفّظات على خطّة الوزيرة بستاني، من بينهم حزب "القوّات اللبنانيّة" الذي لا يُخفي مُطالبته بتوضيحات بشأن تفاصيلها، ولا إعتراضه على بعض بُنودها، وبخاصة مسألة زيادة الإنتاج قبل مُعالجة الهدر، علمًا أنّ الأفرقاء الآخرين المُتحفّظين والمُعترضين على الخُطّة لم يُجاهروا علنًا بذلك حتى الساعة، كما فعل حزب "القوّات"، وهم قد يعمدون إلى التصعيد عند طرح الخطّة للدرس وللإقرار جديًا. ويتردّد أنّ خُطّة الكهرباء باتت مُرتبطة بخلافات سياسيّة وإداريّة داخليّة، ومُتداخلة مع عمليّات "شدّ حبال حزبيّ" منوّعة، بحيث تجاوزت بعض الإعتراضات الجانب التقني من الخطة ومَضمونها التنفيذي، لتصل إلى مسألة الخلاف على التعيينات وآليّات تطبيقها وعلى توزيع الحُصص، في ظلّ سعي بعض الجهات الحزبيّة لإحتكار المناصب ولبسط سيطرتها المُطلقة على الإدارة. وتحوّلت النقاشات بشأن خطّة الكهرباء إلى ورقة للضغط تُستخدم من قبل أكثر من طرف سياسي. إشارة إلى أنّ البنود العريضة للخطّة تنصّ بداية على زيادة إنتاج الطاقة إلى حُدود 1450 "ميغاواط" في المرحلة الأولى، ومن ثمّ إلى 3100 "ميغاواط" في المرحلة الثانية، على أن يجري العمل بشكل مُواز على خفض الهدر الفنّي وغير الفنّي، وعلى تحسين الجباية، وكذلك على رفع قيمة التعرفة وبالتالي الفواتير، بهدف الحدّ من الخسائر الحاليّة.

الملفّ الثاني الذي لا يقلّ أهميّة عن ملفّ الكهرباء، مُرتبط بمُوازنة سنة 2019، حيث يُوجد ضغط دَولي لإقرارها في أسرع وقت، بينما يُحاول أكثر من طرف سياسي داخلي، تأجيل الموضوع بعض الوقت، في مُحاولة للحُصول على أكبر قدر مُمكن من الأموال لوزاراته قبل تطبيق سياسة التقشّف القاسية المُنتظرة. إشارة إلى أنّ موضوع المُوازنة بالغ الدقّة، بسبب ربط المُجتمع الدَولي الأموال التي أقرّت في مؤتمر "سيدر" ومُختلف المشاريع المُموّلة من البنك الدَولي، بالإصلاحات في لبنان وبوقف الهدر وبخفض العجز وبمحاربة الفساد. وبالتالي إنّ إحتمال تجميد كل هذه المشاريع، وبالتالي تضييع الفرصة على لبنان للإستفادة من نحو مليارين و200 مليون دولار، وارد بنسبة عالية، ما لم يتمّ إقرار المُوازنة سريعًا، وما لم تتضمّن هذه المُوازنة الإصلاحات المنشودة. في المُقابل، إنّ كل الوزراء الذين جاؤوا بوُعود برّاقة وبمشاريع طنّانة سيصطدمون في الواقع بشحّ ميزانيّات وزاراتهم، في حال خفض المُوازنة العامة، ما يعني عمليًّا تجريد هؤلاء الوزراء من قُدرتهم على تنفيذ العديد من المشاريع، وربّما من قدرتهم على تلبية الحدّ الأدنى من المطالب الأساسيّة للمواطنين! وهذا التناقض في المصالح، يُشكّل أحد أبرز العراقيل أمام إقرار المُوازنة، حيث أنّ المطلوب إتخاذ إجراءات قاسية وغير شعبيّة، لوقف الخطّ الإنحداري السريع للأحوال الإقتصاديّة والمعيشيّة في لبنان، الأمر الذي تُحاول مُختلف الجهات السياسيّة الهروب منه–ولوّ إلى الأمام! لكنّ خطورة الأوضاع دفعت إلى طرح مواضيع حسّاسة على طاولة البحث، منها مثلاً خفض جزئي لرواتب القطاع الرسمي، ومنها الإستغناء عن المُتعاقدين الذين جرى توظيفهم خلافًا للقانون في المرحلة الأخيرة، وغيرها من الإجراءات القاسية. لكنّ هذه الطروحات لا تزال في مرحلة الأفكار المطروحة للبحث، في ظلّ إعتراضات واسعة.

في الخُلاصة، لا شكّ أنّ حُكومة "إلى العمل" تُعاني من نقص كبير في الأموال يسمح لها بالعمل–حتى في حال سلّمنا جدلاً بوجود النيّة والعزم لدى الوزراء المَعنيّين. كما أنّ هذه الحُكومة ستُواجه بدون أدنى شكّ إنقسامات سياسيّة بمُجرّد أن تبدأ بمُعالجة المواضيع الحسّاسة والخلافيّة، مثل ملفّات المُوازنة والكهرباء والتعيينات، إلخ. وبالتالي، صحيح أنّ الجميع في مركب واحد مُهدّد بالغرق، لكنّ الأصحّ أنّ إستمرار تصرّف الوزراء في الحُكومة كأفراد يبحثون عن إنجازات شخصيّة تُحسب لهم ولحزبهم أو تيّارهم، وإستمرارهم أيضًا بالعمل على عرقلة مشاريع زملائهم وعلى مُحاولة خفض ميزانيّات وزارات هؤلاء من تحت الطاولة، بدلاً من العمل كفريق جَماعي مُتضامن ومُنتج، يطرح الكثير من علامات الإستفهام عمّا يُمكن أن يتحقّق من إنجازات!.