كلٌّ حقّق أهدافه وغاياته في إحياء الذكرى الـ43 لـ "يوم الأرض"، التي رسّخت تمسّك الفلسطينيين بالأرض والهوية والعودة، المُستهدفة جميعها بـ "قانون يهودية الدولة" العنصري.

وفي إحياء الذكرى الأولى لانطلاق "مسيرات العودة"، نجح الجانب الأمني المصري برئاسة مسؤول الملف الفلسطيني في ​المخابرات المصرية​ ​اللواء​ أحمد عبد الخالق بضبط إيقاع "المسيرة المليونية"، التي تطوي العام الأوّل، وتفتح الثاني لمسيرات العودة السلمية، بإقامتها، مع ضمان ابتعاد المتظاهرين عن السياج الفاصل، وعدم تجاوزه، ومنع التصعيد، على الرغم من سقوط 3 شهداء و316 جريحاً برصاص الاحتلال.

فالأطراف المعنيون بالوضع الميداني: الجانب المصري والاحتلال الإسرائيلي وحركة "حماس" وعدد من القوى في قطاع غزّة، يعملون على تأمين التهدئة، التي بات واضحاً أنّها "تهدئة مقابل التهدئة"، أو ما ينطبق عليها، اللاحرب واللاسلم، حيث بات "السيناريو" واضحاً، تصعيد قبل وقف ​إطلاق النار​،

والتهدئة التي تسبق المباحثات.

ومع تمرير يوم السبت، فإنّ العودة هي إلى متابعة مفاوضات التهدئة، لتذليل بعض العقبات التي لا تزال تعترض التوصّل إلى تفاهمات.

وما يجري الحديث عنه ليس جديداً، بل يستند إلى ما تمّ التوصّل إليه من اتفاق في ​القاهرة​ في 26 نيسان 2014، بمفاوضات غير مباشرة، تولاها الجانب المصري بين الاحتلال ووفد فلسطيني مشترك، شكّله الرئيس ​محمود عباس​، برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ​عزام الأحمد​، والذي ضمَّ ممثلين عن حركتي "حماس" و"​الجهاد الإسلامي​"، فأوقف عدواناً استمر 50 يوماً، لكن الاحتلال صعّد عدوانه، ولم يلتزم بتنفيذ بنود الاتفاق، الذي تمّ بإجماع وطني فلسطيني، فكيف سيلتزم الاحتلال دون ذلك؟!

ما يجري الآن في قطاع غزّة، جهود مكوكية يقوم بها الوفد الأمني المصري، توصّلاً إلى تفاهمات، يحتاج كل بندٍ فيها إلى اتصالات متعدّدة، والحديث هو لمعالجة اقتصادية واجتماعية ومعيشية لواقع الحال في غزّة، والتي بات واضحاً أنّ ​الإدارة الأميركية​ ونتنياهو يتعاملان مع القطاع بملف اقتصادي، بفصله عن أساس ​القضية الفلسطينية​، التي هي رزمة متكاملة، وصولاً إلى إقامة دويلة في غزّة، بعد فصلها عن

الضفة الغربية​، التي يتعامل الاحتلال معها، وكأنّها جزء من أراضي دولته اليهودية - أي إنّها "​يهودا​ و​السامرة​"، من خلال التوغّل الاستيطاني، وشرعنة ما يتم بناؤه، وهذا جزء من "صفقة القرن".

وإذا كانت "حماس" قد وافقت على الشروط الإسرائيلية، بل تمّ تأمين ضبط أمن "مسيرات العودة" بعدم وصول المتظاهرين إلى الشريط الفاصل وتجاوزه، فإنّ قوى أخرى، وفي طليعتها "​الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين​"، أكدت "لسنا جزءاً من تفاهمات التهدئة"، واصفة "التسهيلات بأسلوب غير مجدٍ".

وفيما أعلنت "حماس" اعتذارها عن "الصواريخ التي سقطت في محيط منطقة تل أبيب، وأنها أُطلقت خطأ"، كانت "​سرايا القدس​" الجناح العسكري لـ "حركة الجهاد الإسلامي" تتبنّى فجر أمس، إطلاق صواريخ سقطت في تجمع اشكول - شرق القطاع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، من دون وقوع إصابات.

وقد أُطلِقَتْ صفارات الإنذار الإسرائيلية، في وقت قصفت فيه مدفعية الاحتلال أرضاً خالية في قطاع غزّة، وهو ما تكرّر أيضاً مساء أمس، بإطلاق صاروخ من غزّة، انفجر بالقرب من السياج الفاصل.

وعلى خط استعداداته لخوض الانتخابات العامة، فقد أراد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الإيحاء بأنّه يفرض الشروط التي يريدها، وأنّ "الحشود الكبيرة التي تواجدت على الحدود ساهمت في

إحلال التهدئة"، وهمّه الأوّل الوصول إلى الانتخابات بشكل هادئ وآمن، ليترجمه أصواتاً في صندوق الاقتراع في 9 نيسان المقبل، ما يُريحه في ​تشكيل الحكومة​.

وأشار نتنياهو خلال استقباله الرئيس البرازيلي ​جايير بولسونارو​، إلى أنّه أصدر "قراراته بنشر الجيش، بقوّاته الجوية والبحرية، حول حدود قطاع غزّة، وأنّ "إسرائيل" مستعدة لأي سيناريو، وإنْ تطلّب الأمر شنّ عملية عسكرية واسعة، والجيش مستعد لأي قرار لحماية أمن إسرائيل".

وانعكست تداعيات اتفاق نتنياهو، ومحاولة التوصّل إلى تهدئة في قطاع غزّة، خلافاً داخل حكومة الاحتلال، حيث أعلن وزير التعليم الإسرائيلي وزعيم حزب ​اليمين الجديد​ نفتالي بينت عن أنّه سيرفض ووزيرة القضاء الإسرائيلية ايليت شاكيد "اتفاقية التهدئة مع ​حركة حماس​".

وطالب بينت النائب العام الإسرائيلي أفيحاي ماندلبليت بـ "إجبار نتنياهو على عقد جلسة لـ "الكابنيت" الأحد لمناقشة الوضع في غزّة". لكن، مكتب نتنياهو قرّر إلغاء اجتماع "الكابنيت" المقرّر الأربعاء.

في غضون ذلك، غادر ​الوفد المصري​، أمس (الأحد) قطاع غزّة، عبر معبر ​بيت حانون​ "إيرز"، إلى تل أبيب، والتقى مسؤولين إسرائيليين، وسيتسلّم جدولاً زمنياً بمواعيد تنفيذ تفاهمات التهدئة في غزّة.

ومن المقرّر أنْ تسمح قوّات الاحتلال اعتباراً من صباح اليوم (الاثنين) للصيادين بدخول بحر غزة،

مع توسيع مساحة الصيد.

وكانت قوّات الاحتلال قد فتحت صباح أمس، معبري بيت حانون "إريز"، المخصّص لعبور الأشخاص و"كرم أبو سالم"، المخصّص لنقل وإدخال البضائع أمام ​الشاحنات​، بعد إقفالهما الأسبوع الماضي.

هذا، وتلبية لدعوة "الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار"، شهدت "المسيرة المليونية" في قطاع غزّة، مشاركة أكثر من 60 ألف مواطن من مخيّمات العودة الخمسة، على الرغم من هطول ​الأمطار​.

ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، وأشعلوا الإطارات المطاطية، وألقوا الحجارة على الرغم من البُعد عن جنود الاحتلال، وبقيت الأمور مضبوطة مع مواصلة الوفد المصري اتصالاته مع قوّات الاحتلال والقوى في غزّة لتمريرها بهدوء.

لكن قوّات الاحتلال مارست همجيتها ضد المتظاهرين السلميين، بإطلاق ​الغاز​ المسيل للدموع والقنابل الدخانية و"القنص" بالرصاص الحي، ما أدّى إلى استشهاد 3 شبان، وإصابة أكثر من 316 آخرين.

فقد استشهد محمّد جهاد سعد (20 عاماً)، إثر إصابته بالرأس وتامر هاشم أبو الخير (17 عاماً) نتيجة إصابته برصاصة في الصدر، وأدهم نضال عمارة (17 عاماً) ب​قنبلة​ غاز في وجهه.

هذا فضلاً عن استشهاد بلال محمود النجار، متأثّراً بجروح كان قد أُصيب بها خلال مشاركة سابقة في مسيرات العودة، بنيران الاحتلال، شرق ​خان يونس​.

وجال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الدكتور ​إسماعيل هنية​ ورئيس الحركة في قطاع غزّة يحيى السنوار في مخيّمات العودة بعد تلقّي ضمانات مصرية.