انعقد في تونس مؤتمر القمة العربية في دورته الثلاثين للبحث في القضايا العربية بمشاركة وحضور معظم الملوك والأمراء والرؤساء العرب.

وذلك بعد استلام تونس رئاسة مؤتمر القمة من ​المملكة العربية السعودية​ التي رأست بدورها المؤتمر العربي السابق في مدينة الظهران الذي أطلق عليه اسم مؤتمر القدس.

لو عدنا إلى انعقاد مؤتمر الظهران «القدس» لاكتشفنا أن ذاك المؤتمر جاء متزامناً مع إعلان الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ نقل ​السفارة الأميركية​ إلى القدس معترفاً بها كعاصمة للكيان الصهيوني في خطوة تعبر عن استخفاف واستهتار بالموقف العربي غير المحسوب أصلاً في ميزان القوى العالمية أو الإقليمية ناهيك عن تحدي ترامب الواضح للعرب والمسلمين في كل العالم.

وإذا لاحظنا تاريخ انعقاد مؤتمر تونس لاستدركنا تزامنه مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على ​هضبة الجولان​ العربي السوري في تحد واستخفاف آخر لكن ليس للعرب فحسب إنما للقانون الدولي ناسفاً كل القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفي تعد سافر على الشرعة الدولية ضارباً عرض الحائط بكل النظم والقوانين الأممية التي سادت المنطقة وكانت مرجعاً ومرتكزاً للنظام العالمي ولو بالحد الأدنى.

ولو راجعنا مفاعيل وقرارات كل المؤتمرات العربية ومدى تأثيرها منذ القمة العربية الأولى التي انعقدت العام 1946 في مدينة أنشاص دلتا النيل وصولا إلى 2019 تاريخ انعقاد مؤتمر القمة العربية في تونس فإننا سنواجه صعوبة كبيرة في العثور على أي فاعلية أو تأثير لأي قمة عربية، ودليل ذلك هو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبمجرد أن قام بتطريز توقيعه معلناً نقل سفارة بلاده للقدس واعترافه بها عاصمة للكيان الصهيوني، فقد تقصد الإطاحة بكل مقررات القمم العربية ورميها في سلة قمامة البيت الأبيض.

وإذا استثنينا قرارات القمة العربية التي انعقدت في الخرطوم عام 1967 وقمة عام 1973 الأولى اشتهرت باللاءات الثلاث: لا اعتراف لا صلح لا تفاوض مع العدو الإسرائيلي، أما الثانية فقد اشتهرت بقرار قطع البترول العربي عن أميركا، عدا ذلك فإن تاريخ القمم العربية المشهود لها بعدم الإنتاجية واستمرار الخلاف وبتسعير أوار الحرب التدميرية العبثية في كل من سورية واليمن والعراق وليبيا والسودان، هو تاريخ لا يسمن ولا يغني عن الذل والهوان بتنفيذ الأجندة الأميركية الإسرائيلية على حساب شعبنا العربي وعلى حساب وحدة وقوة وامن وتقدم وازدهار أوطاننا العربية.

لقد اشتهرت القمم العربية بأنها قمم تزيد من الخراب والتفتيت والتشريد والفقر والجهل وعدم القدرة على المعالجة أو الإنتاجية في إيجاد الحلول الناجعة التي تضمن مستقبل أجيالنا وأوطاننا العربية. ودليل ذلك أن القمم العربية لم تشهد أي إنجاز سياسي اقتصادي تكنولوجي يمكنه دعم الموقف العربي في المحافل الدولية ما يخولنا تشكيل قوة ضاغطة ومؤثرة على المستوى الدولي والإقليمي أو على الأقل وقف الحروب الكارثية التي أصابت الوطن العربي.

إن تاريخ القمم العربية هو تاريخ سيئ غير مشرف لم يقدم أي حماية للحق العربي ولا للشعب العربي، وأقصى ما تحقق هو عبارة عن بيانات الشجب والاستنكار من دون أي مفعول، بيد أن سجل القمم العربية هو سجل حافل بقرارات تقرأ باللغة العربية فقط لكنها من دون أي ترجمة فعليه لأن الحقيقة المرة هي أن تلك القرارات تكتب سلفاً بحبر إسرائيلي ثم يعاد ترتيبها وإعدادها بغرف أميركية سوداء بما يتناسب والمصلحة الأميركية الإسرائيلية المشتركة.

إن تغييب دولة عربية وازنة بحجم ​الجمهورية العربية السورية​ الدولة المؤسسة ل​جامعة الدول العربية​ عن المشاركة في أعمال القمة العربية تنفيذاً لإملاءات أميركية إسرائيلية، لهو دليل ضعف وخنوع وإذلال عربي ودليل على استمرار الالتزام بنظام الرق والعبودية الأميركي تجاه معظم النظم العربية وخاصة تلك التي شاركت بحياكة المؤامرة الكونية على سورية.

الالتزام العربي بنظام العبودية الأميركي الإسرائيلي سمح لدونالد ترامب باتخاذ قرار الإطاحة بكل القرارات العربية والاتفاقات التي أبرمت مع العدو الصهيوني بإشراف الأمم المتحدة حتى تلك السيئة منها منذ اتفاق ​كامب ديفيد​ السيئ مروراً باتفاق أوسلو المذل وصولاً إلى اتفاق وادي عربة الخبيث، وذلك حين تقصد الاعتراف بالقدس العربية عاصمة للكيان الصهيوني ملغياً حق عودة الفلسطينيين ودافناً بذلك مشروع قيام ​الدولة الفلسطينية​ في خطوة اعتبرت بداية تنفيذ ما سمي صفقة القرن الموصوفة بأكبر عملية سلب للحقوق الفلسطينية والهادفة إلى طمس وإلغاء القضية العربية الأولى.

وفي خطوة غير مسبوقة وبحضور رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل أقدم دونالد ترامب على توقيع قرار أميركي يعترف بسيادة العدو الإسرائيلي على هضبة الجولان العربي السوري مهيناً ومذلاً للعرب ولحقوقهم وغير آبه بمقررات القمم العربية ومن دون أن يحسب لها أي حساب.

لقد ثبت لدينا بالوجه العربي الشرعي أن القمم العربية عبارة عن حفلة تصوير وصول طائرات الملوك والرؤساء الخاصة وعن استقبالات وصالات فارهة تختتم بصورة جماعية تذكرنا بأن وراء كل قمة عربية كارثة أميركية إسرائيلية جديدة قادمة على أوطاننا وشعوبنا العربية، فما تلك الكارثة المتوقعة بعد القدس والجولان؟

الخطوة التالية لقمة تونس هي قرار أميركي قادم يعترف بسيادة الكيان الصهيوني على أرض ​الضفة الغربية​ والشروع بعملية سلب موصوفة جديدة للأرض والحقوق العربية، فماذا أنتم فاعلون أيها المجتمعون في القمم العربية؟

الجواب ليس سراً ولا صعباً لأن المشاركين في قمة تونس جاؤوا طائعين صاغرين بهدف تغطية القرار الأميركي الإسرائيلي بتنفيذ صفقة القرن وأن المجتمعين لن يتجرؤوا على إعلان سحب سفراء بلادهم من أميركا أو طرد السفراء الأميركيين من بلادهم أو حتى قطع العلاقات التطبيعية مع العدو الصهيوني وأن أقصى ما يمكنهم هو استصدار بيان لن يتجاوز الشجب والاستنكار في مقابل وصف قوى المقاومة ضد العدو الصهيوني بالإرهاب، وهذا دليل آخر على وجود رغبة عربية مسبقة بتغطية قرار قضم الأرض العربية لمصلحة العدو الإسرائيلي والسكوت عن تنفيذ صفقة القرن الهادفة إلى إلغاء الحق العربي و​القضية الفلسطينية​ وجعلها في خبر كان مقابل مليارات من دولارات النفط العربي تعويضاً للفلسطينيين وللدول المضيفة لهم.

رحم اللـه القائد ​حافظ الأسد​ حين أسلم الروح ناطقاً بآخر كلماته وقال لقد استنفدنا وقتنا والآن حان وقت أجيالنا، وكان يعني أجيالنا التي عقدت العزم على المقاومة سبيلاً وحيداً لاسترداد الأرض والحقوق، أجيالنا المؤمنة بأن ما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة.