يشتد طرح السؤال اليوم حول ما إذا كانت المنطقة تتجه الى حرب قريبة؟ وطبعا السؤال يعني الحرب التي تكون فيها ​إسرائيل​ و اوأميركا فيها في مواجهة محور المقاومة كليا او جزئيا. وينحصر السؤال في هذه الوضعية بالذات باعتبار ان المنطقة تشهد و منذ العام 2011 حربا مركبة معقدة تتنوع تسميتها بين الحرب البديلة او الحرب غير المباشرة او الحرب على ​الإرهاب​ او تجمل بالمصطلح الاوسع الذي اعتمدناه منذ العام 2011 و هو مصطلح الحرب الكونية التي تستهدف سورية و عبرها محور المقاومة ، حيث ان الطرف المباشر و الظاهر فيها هو المجموعات الإرهابية المتعددة الاشكال و التسميات و المصادر و التبعية و التي تنتهي كلها عند خدمة مشروع اسقاط المنطقة من يد أهلها ووضعها بيد ارباب المشروع الصهيو غربي بقيادة ​اميركا​ .

ولنعد الى ما نعنيه بالسؤال: هل تندلع الحرب المباشرة بين إسرائيل ومن يدعمها او بين اميركا وإسرائيل ومن يتبعهم من جهة، و​إيران​ وسورية و​حزب الله​ من جهة ثانية؟ سؤال يطرح بعد ان سدت سبل التحرك السياسي لاستعادة الحقوق لأهلها في المنطقة، وبعد ان اتجهت اميركا لمزيد من الضغط والحصار و "عصر" محور المقاومة.

في البدء نذكر بان أساس الازمات في المنطقة هي إسرائيل التي وجدت على حساب الغير وجودا و ارضا و ثروة ، و هددت بوجودها المكونات السياسية و الشعبية للمنطقة ، و خلال العقود التي فاتت كان هناك و الى حد ما بصيص امل و لو بسيط عند البعض يشير الى أمكانية إعطاء أصحاب الحقوق جزءا من حقوقهم مقابل تسوية سلمية للمعضلة المتمثلة بحالة الاغتصاب ، لكن اليوم تغير الوضع و انطفأ هذا الامل بعد جملة من السلوكيات الأميركية و الإسرائيلية التي قادت الى القول ببساطة " لا قيمة للحق و لا للشرعية في مواجهة مصلحة إسرائيل " و ان حق القوة و شرعية القوة هي التي تعتمد "

و بهذا المنطق "المغاير لقواعد العدالة و الشرعية القانونية " أقدمت إسرائيل على احتلال ارض الغير ثم أقدمت على تهجير السكان ثم بناء المستوطنات عل ارض الغير و رفضت قيام أي كيان سياسي لل​فلسطين​يين على جزء من ارضهم ووضعت خطة القضم و الابتلاع التدريجي الممنهج لكامل فلسطين التاريخية ثم انتقلت الى ضم وابتلاع ارض عربية أخرى في سورية و لبنان عملية قضم وضم مستمرة كما يبدو الى ان تصل الى وضع يدها على ما تدعيه انه " ارض إسرائيل التوراتية" التي تشمل كل فلسطين و لبنان و ​الأردن​ و جزء من سورية و العراق و مصر عملا بالزعم التوراتي " ارض إسرائيل من الفرات الى النيل ".

وبهذا المنطق شنت إسرائيل حروبها منذ ما قبل العام 1948 (تاريخ قيامها واغتصابها فلسطين ) وصولا لحرب العام 2006 ، لكنها كانت تواجه دائما بموقف دولي جامع يقوم على رفض الاحتكام للقوة في العلاقة بين الدول و الشعوب و رفض ضم ارض الغير او تعديل الحدود بالقوة ، ووجوب التفاوض و الاحتكام الى قواعد القانوني الدولي سلميا لحل النزاعات ، و كانت تشكل اميركا جزءا من الموقف الدولي هذا و قد صوتت في مجلس الامن على رفض ضم ​الجولان​ في العام 1981 و صدر القرار 497 بالأجماع ليؤكد على ذلك و ليذكر بالقرار 242 الذي صدر في العام 1967 و الذي كان يؤمل منه خاصة بعد ان اكد عليه بالقرار 338 الصادر في العام 1973 ، كان يؤمل منه من قبل واضعيه و منهم اميركا ان يشكل مرجعية لتسوية الصراع بالطرق السلمية .

اما اليوم فكل شيء تغير على الصعيد الأميركي ، حيث ان ترامب انقلب على السياسية الأميركية المستمرة منذ العام 1967 و الرافضة للاعتراف بمفاعيل القوة في ضم ارض الغير ، و اتخذ القرارات غير الشرعية التي اقفلت بشكل واضح الطريق السياسي لتسوية سلمية للصراع بين إسرائيل و العرب خاصة الفلسطينيين و سورية و لبنان ، حيث انه اعترف ب​القدس​ عاصمة لإسرائيل ، و اعلن سيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل ، اعلان اذا تم عطفه على نظرة ​الأمم المتحدة​ ل​مزارع شبعا​ اللبنانية و ربطها العملاني بالجولان العربي السوري المحتل لامكن القول بان الإعلان يتضمن اعلان السيادة الإسرائيلية على المزارع اللبنانية أيضا .

يضاف الى كل ما ذكر اعتماد اميركا استراتيجية إجرامية تمارس ضد إيران وحزب الله تتمثل بتدابير كيدية تسميها اميركا عقوبات وتبتغي منها "تجويع إيران لتركيعها " ومحاصرة حزب الله لتفكيكه، سياسة تنفذ بشكل تصاعدي متدرج يشمل الوجهين من التدابير النفسية المعنوية، والمادية الاقتصادية، التي ستكون في مطلع أيار المقبل على موعد مع خطوة قاسية جديدة تتمثل بسعي اميركا الى منع تصدير النفط الإيراني باي كمية او لأي جهة وباي وسيلة كانت أي حرمان إيران من مصدر مالي رئيسي يقوم عليه اقتصادها الوطني.

ما يعني ان اميركا وإسرائيل تعملان بسياسة الإطاحة بالقانون والكيدية في التعامل وانهما اقفلتا أي باب سياسي او تفاوضي لاستعادة الحقوق المغتصبة ومعالجة الهواجس وتنطلقان من اجل الحصول على ما يبتغون من مصالح غير مشروعة، تنطلقان في ذلك مع طمأنينة الى انهما ستحققان ما تريدان دون الحاجة الى حرب ونار في الميدان. انها استراتيجية "الحرب الوسط بين الحربين " التي تتجنب القوة الصلبة فلا تفتح الجبهات وفوهات النار، وتتجاوز القوة الناعمة التي تتركز على المسائل السياسية والمعنوية والاخلال بالأمن العام، وتتجسد بحرب اقتصادية شاملة وتضييق وحصار مخدوم بالتلويح بالقوة العسكرية الجاهزة التي قد تلجأ اليها القوى المعتدية عندما تدعو الحاجة.

وهنا يطرح السؤال حول السلوك الأفضل الذي يجب ان تعتمده مكونات محور المقاومة خاصة إيران وحزب الله وسورية للرد على هذا النوع من العدوان الصهيواميركي ذو الطبيعة الخاصة. وسيكون الجواب هنا خيارا من ثلاثة: الأول بالمقاومة الاقتصادية دون أي فعل ناري، والثاني بالرد الناري المحدود لكسر الحصار دون الانزلاق الى مواجهة عسكرية شاملة، والثالث بالبدء بالرد الناري لكسر الحصار والدخول في المواجهة الشاملة إذا فرضت فأي من هذه الخيارات ستعتمد وأي منها يكون الأفضل؟

قبل الإجابة نعود ونؤكد بان اميركا تريد بحربها الاقتصادية وتهويلها بالقوة العسكرية، وعدوانها على الحقوق والسيادة تريد ان تربح حربا دون ان تخسر طلقة نار او قطرة دم، وان إسرائيل تشاركها وتستظلها في هذا الامر، اما محور المقاومة فانه قد يكون قادرا في مرحلة محددة على الصمود الاقتصادي لكنه لا يستطيع ان يصبر الى ما لانهاية ثم انه لا يمكنه ان يقبل مطلقا استباحة الحقوق والسيادة.

وعليه فان الرفض لهذا السياسة او هذه الاستراتيجية الصهيو اميركية لا يمكن ان يكون سياسيا وإعلاميا فقط بل قد يكون اضطرار الى الميدان يلجأ اليه تماما كما حصلت المواجهة سابقا في ​جنوب لبنان​ وأدت الى تحريره او منع احتلاله، لكن ذلك لا يكون ابتداءا ولا يكون اللجوء الى الحرب المفتوحة بمبادرة من محور المقاومة المعتمد لاستراتيجية دفاعية، اما البدء بالمقاومة بمعناها الضيق فلا يشكل برأينا اعلان حرب بالمعنى الواسع.

و هنا يكون الجواب باننا لا نتوقع حربا تبادر اليها اميركا او ​اسرائيل​ لانهما مطمئنتان الى فرض ما تريدان بدونها ثم انها غير مضمونة النتائج لهما اذا وقعت ، و لا نرى ان محور المقاومة سيبادر الى شن الحرب بهذا التوصيف ما يعني ان الحرب التي يكثر الحديث عنها تبقى بهذا المنطق مستبعدة لكن هذا لا يعني استبعاد عمل مقاوم يلجأ اليه او ردا على الحصار و قطع طرق و بعدها يصبح الامر متوقفا على ردة فعل العدو فمحور المقاومة كما يبدو يتجه للرد المتدرج المتراوح بين الخيارات الثلاثة على ان يحدد الوسيلة و التوقيت بما يناسب مكونات هذا المحور الذاتية و الموضوعية ووضعية العدو الذي يبدو الان انه لا يستسيغ المواجهة و الانزلاق الى الحروب و يكتفي بالضربات المحدودة التي تذكر بقوته و وجوده ..