لو كانت جامعة «أبو الغيط» عربية فعلاً، لتوجّهت في قمتها التونسية الحالية إلى معالجة الأسباب التي أودت بالعرب إلى هذا المستوى من الانحطاط الاستراتيجي والسياسي.. ونأت بنفسها من الاختباء خلف بلاغة خطابته لن تستطيع إخفاء أسوأ انهيار تمر به المنطقة منذ تشكلها قبل مئة عام تقريباً تحت مسمى «الشرق الأوسط» « المبتكر».

تبدأ المشكلة في استسلام دول ​الجامعة العربية​ للنفوذين الأميركي وبالتالي الإسرائيلي.. ففضلت أنظمتها المتخلّفة استعمال التغطية الاميركية لقمع مواطنيها وتجميدهم في قوالب القرون الوسطى مع تلبية كل ما تريده السياسات الأميركية في العالمين العربي والإسلامي على السمع والطاعة.

قمة تونس إذاً هي استمرار للانهيار الكبير والعلني الذي حدث بعد معاهدة كمب دايفيد المصرية الإسرائيلية 1979 مؤدياً إلى نزوع عربي للاعتراف بالكيان الإسرائيلي والتطبيع معه.

لكنّها تشكل أيضاً ولادة جديدة لمحور عربي من سورية و​العراق​ و​حزب الله​ و​اليمن​، نجح في معارك ضخمة لا تزال مستمرة في وقف مشروع التفتيت الأميركي منتقلاً إلى مرحلة نسفه نهائياً، ومتحالفاً مع ​الجمهورية​ الاسلامية في ​إيران​ و​روسيا​.

لكن هذا المحور مغلول اليدين في جامعة عربية يمسك بخناقها الرئيس الأميركي ​ترامب​ ويوجهها عبر السعوديين والإماراتيين والقطريين ودولة السيسي التي تقول شيئاً وتفعل أموراً أخرى.

يكفي أن وكالة «رويتر» نشرت منذ أيام عدة أن ​البيت الأبيض​ أنذر العرب التابعين له بضرورة الاستمرار في تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية ومواصلة اعتبار إيران عدواً اساسياً لهم.

لذلك فشلت قمة تونس قبل أن تنعقد وبقرار أميركي نافذ، يريد تعميق الخلافات العربية ـ العربية، من جهة واستهداف الدور الإيراني خصوصاً في جانبه المقصود للنفوذ الأميركي والاحتلال الإسرائيلي، وللتعمية على الأهداف الحقيقية لهذا الدور الأميركي السعودي، يجري تلفيق مزاعم عن أدوار إيرانية توسعية في ​العالم العربي​.. ويتبين أن رأس حربة هؤلاء المتّهمين «حزب الله» الذي لم يحارب إلا «إسرائيل» في احتلالها ل​لبنان​ وعدوانها عليه بين 1982 و 2006 كما قاوم بشجاعة في السنين الست الماضية أسوأ إرهاب انتشر على الأرض السورية وحدود لبنان وهزمه.

أمّا ​الحشد الشعبي​ في العراق المتّهم أيضاً بخدمة إيران، فهو الذي قضى إلى جانب ​الجيش العراقي​ على إرهاب كان يحتلّ معظم أرض الرافدين بتغطية تركية ـ أميركية وتمويل خليجي، حسب ما اعترف به الإعلام الغربي وسياسيّوه.

هناك أيضاً ​أنصار الله​ في اليمن الذين يواصلون التصدّي لحرب أميركية تستهدفهم بلبوس عربي سعودي إماراتي… وهذا القتال يدور على أرض اليمن وضحاياه يمنيّون من رجال وأطفال ونساء والمقاومون هم أنصار الله المتحدّرون من الزيديّين الذين يحكمون اليمن منذ ألف عام على الأقل.. أيّ قبل تأسيس كامل بلدان ​الخليج​ ومعظم دول العالم العربي بـتسعمئة سنة على الأقل، وأنصار الله عرب عاربةٌ لم تختلط بهم أمركة او أسرلة محافظين على أصالتهم التاريخية.

ضمن هذه المناخات ماذا كان على هذه القمة أن تفعل؟

كان يجب عليها أن تسأل عن هوية من سطا على ​فلسطين​ ملتهماً ​القدس​ وغزا ​أفغانستان​ والعراق ودمّرهما، وكاد أن يسيطر على سورية ويزعزع مصر و​السودان​ و​الجزائر​ وتونس و​الصومال​.. يكفي عند هذا الحدّ لتبرئة إيران من أي تدخل في هذا المدى الكبير بالدولة مقابل الدور الأساسي الحصري الأميركي ـ الإسرائيلي السعودي ـ الإماراتي والقطري. فكل التدمير الذي يهزّ المدى العربي ناتج من هذا المحور تحديداً الى جانب الدور التركي المتورط بدوره.

وكاد متابعو السياسات، أن يعتقدوا، أن إيران هي التي وهبت «إسرائيل» ​الجولان​ السوري المحتل. وعندما استيقظوا من غفوتهم اكتشفوا ان الأميركيين هم من اعترفوا باسرائيلية القدس والجولان في قرار متكبّر استغلّ العجز العربي الملتحق بهم. فيعاملهم باستخفاف ومهانة على أساس أن الغرب سحب من هؤلاء الضعفاء أي نوع من أنواع الكرامة والعنفوان و​الاقتصاد​.

والسؤال «الافتراضي» المنتمي الى عالم ليس موجوداً في الوقت الحاضر ويؤسس له المحور السوري ـ العراقي – الإيراني وحزب الله، هو ماذا يجب على جامعة أبو الغيط أن تفعل؟

أولاً تحديد الجبهات المعادية للعرب والتي تسرق القدس والجولان و​مزارع شبعا​ وأربعين في المئة من الضفة. هذا بالإضافة الى كامل ​فلسطين المحتلة​ فتكتشف هذه الجامعة أن هناك معتدياً مباشراً هو «إسرائيل» وآخر داعم بقوة هم الأميركيون فيما لا يوجد لإيران أثر، لذلك فما عليه إلا إعلان قطع العلاقات العربية مع «إسرائيل» أولاً، وهذا برسم مصر و​الاردن​ و​السلطة الفلسطينية​ و​البحرين​ و​الامارات​ و​المغرب​ وقطر و​السعودية​.

أما القسم الثاني، فيتعلّق بإرسال وفد عربي كبير إلى دمشق يتمنى عليها العودة الى الجامعة، كي تصبح جامعة دول عربية حقيقية.. فلا يتبقى إلا عامل أساسي يتعلق بموقف العربدة الاميركية، وهذا بمفرده كان لإعلان تجميد العلاقات العربية ـ الأميركية بما يشمل كل دولة تعترف بإسرائيلية القدس والجولان.

بهذه القرارات تتحوّل جامعة أبو الغيط جامعة العرب بشكل فعلي، ويصبح بوسعها تحقيق تنسيق استراتيجي واقتصادي وسياسي يدفع العرب الى الخروج الفعلي من القرون الوسطى، فمتى تسقط جامعة أبو الغيط؟