تشكّلت ​الحكومة​ الحالية بعد مخاض طويل هدّد بإطالة عمر الازمة الحكوميّة وتحويلها الى ازمة على كل المستويات، ولكن الاهم انها تلك التي كان اعتبرها ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ حكومة العهد الاولى. طبيعي ان تكون الحكومة امام عقبات كثيرة ينبغي حلّها، ولكن ورقة نجاحها لا يمسك بها عون على عكس ما يعتقد البعض، ورغم الحماسة التي يبديها رئيس الجمهورية من اجل الاثبات للجميع انه قادر على ارساء التغيير والاصلاح. فالواقع ال​لبنان​ي يشير الى ان اقصى ما يمكن لعون القيام به، هو تحقيق انجازات متفرّقة فقط، لانّ الحلول الشاملة للازمات، تمرّ حكماً بالاطراف اللبنانية كلها وقبلها بأطراف خارجية لا بد ان توافق عليها، والا فإن الازمات والمشاكل ستظهر تباعاً وبشكل مفاجىء لعرقلة اي مسعى يضع الحلول في خانة المتاحة. وفي هذا السياق، يركّز عون على مسألتين من مسائل كثيرة اساسية يعمل على تسريع الخطى لحلّها وكسب ثمارها قبل ان "يقطفها" غيره، والمسألتان هما: ​الكهرباء​ والنازحين.

تكاد معركة الكهرباء تشكّل العصب الرئيسي للمعارك التي اعلنها عون ضد ​الفساد​ وحملته في التغيير، و"أذرعه" المتعددة في ​التيار الوطني الحر​ وغيرها تعمل في هذا الاتجاه، ولكن العقبات تتضح واحدة تلو الاخرى. وللحقيقة، فإن الاتّصالات التي اجريت، ان على مستوى رئيس الجمهورية او على مستوى التيار الوطني الحر، نجحت في تأمين الحدّ الادنى من التفاهم على ملفّ الكهرباء، غير ان المعارضين له يركّزون على الكشف عن بعض السيّئات التي من الطبيعي ان تقلق اللبنانيين. وانطلاقاً من مبدأ عدم وجود خطة متكاملة، يدافع انصار عون والتيار الحر عنها، ويشيرون الى ان البديل هو البقاء في الظلام والعجز الكهربائي من جهة، وخسارة الفرصة النادرة التي قد لا تتكرر في تأمين تفاهم على خطة رسمية لحل مشكلة مزمنة باتت متجذرة في حياة اللبنانيين.

واذا ما اقرّت ​خطة الكهرباء​، كما هو متوقع، فإن العبرة تبقى في التنفيذ والقدرة على تقديم نتائج ملموسة في الفترات التي يتم تحديدها، لاننا في لبنان اعتدنا على القول الشهير "ما تقول فول ليصير بالمكيول"، فحتى لو تم اقرارها وبدأ العمل عليها، يمكن ان يطول امد التنفيذ لاسباب عديدة وتتأخر الامور بشكل قد يدفع اللبنانيين الى سحب يدهم من دعم الخطة.

اما على خط النازحين واعادتهم، فالامور اكثر تعقيداً بعض الشيء، فهناك الشق السياسي والآخر العملي. ويجب الاعتراف بأن عون والتيار حققا تقدماً مهماً ادى الى تراجع اصوات المعارضين لعودة ​النازحين السوريين​ تحت اي مسمّى او ذريعة. وبدا وكأنّ ​الاتصالات​ الاقليميّة والدوليّة التي اجريت لهذا الهدف، لاقت آذاناً صاغية، بدليل العمليّة التي يقوم بها ​الامن العام​ لاعادة هؤلاء. صحيح ان العدد لا يزال قليلاً نسبة الى الكمّ الهائل منهم ، لكنه يبقى افضل من لا شيء، علماً ان 170 الف نازح ليس بالرقم السهل الذي يمكن تداوله، ولكنه عندما يشكّل نحو 10 في المئة من اجمالي عدد النازحين في لبنان، تتراجع اهميته.

والجهد الذي يبذله عون يعني عملياً انه لا يملك كل اوراق نجاح الحكومة، وهو بات يدرك انه يتمسك بتحقيق أيّ انجاز يمكنه لينتقل الى امر آخر يسمح له بتثبيت اقدامه داخل الحكومة (وخارجها ايضاً)، ويترك اثراً يرافق ما سيقال عن عهده في السنوات المقبلة، كي لا يكون مروره على مركز الرئاسة بالزخم الذي اتى به، كغيره من الرؤساء الذين سبقوه ولم يتمتعوا بالتمثيل النيابي والوزاري الذي يتمتع به، ولم يأتوا بالشعبية الكبيرة التي اوصلته الى الرئاسة.