يعيش الشعب اللبناني في ظلّ ظروف اجتماعية أقلّ ما يقال فيها أنّها غير عادلة.

في العام ٢٠١٦ وضع "صندوق النقد الدولي" قائمة إحصاءات حول متوسط دخل الفرد العربي سنوياً، فحلّ لبنان في المرتبة السابعة مسجلاً ١١ الف دولار للفرد سنوياً.

في العام ٢٠١٩، نتيجة لزيادة الضرائب وارتفاع غلاء المعيشة وانحسار فرص العمل وانخفاض مستويات النمو الاقتصادي، من المؤكد أن رقم ١١ الف دولار على فرض دقّته وصحّته، فقد انحدر أو اختفى.

مجالس العمل التحكيميّة الناظرة في قضايا العمل، تسجّل نسبا عالية من حالات صرف العمال والأجراء والمستخدمين من أعمالهم.

البطالة تضرب جيل الشباب من خريجي الجامعات.

إنها أزمة اجتماعية مخطط لها لإضعاف لبنان وإفراغه من أبنائه.

كيف؟.

أوّلاً-يعتمد الاقتصاد اللبناني بالأساس على قطاع الخدمات لا سيما المصارف و​السياحة​. مجال المال القائم اساسا على التحويلات الماليّة والاستثمارات الخليجيّة خضع لكثير من الضغوط الدولية حتى اصبح التعامل المالي مع لبنان غير محفزّ للاستثمارات.

باسم مكافحة تبييض الأموال وتمويل ​الارهاب​ تخضع المؤسسات المصرفيّة لقيود دوليّة.

واضح أن بعض الدول ومنها لبنان لم تعمَد الى سنّ تشريعات استباقيّة تحمي سيادة الوطن الاقتصاديّة والماليّة، وتتوافق في الوقت عينه ضمن حدود السلطة الذاتية على موجب الاشتراك في ​مكافحة الجرائم​ المنظّمة العابرة للحدود.

شارك لبنان في مؤتمرات دوليّة بموضوع مكافحة الجرائم فرَضت سنّ تشريعات داخليّة. وقّع على معاهدات، وراح بعدها الى مرحلة إصدار قوانين تتوافق مع متطلبات الأمم في تلك المعاهدات، ولكنها لا تراعي بجوانب قانونيّة عدّة قدسيّة السيادة المحليّة الأمنيّة او المصرفيّة او القضائيّة وكيفيّة حمايتها.

والأمثلة كثيرة منها قانون مكافحة تبييض الأموال وقانون الاتجار بالبشر وغيرها. على الرغم من انّها تطور جدّي في عالم التشريع اللبناني، لكنها تحمل ثغرات قانونيّة لا بدّ من التنبّه لها في عمل السلطة التشريعيّة المؤتمنة على حق الشعب وحفظ الوطن.

ثانياً-بسبب الأوضاع الأمنيّة والتأثيرات السياسيّة أصدرت دول خليجيّة وغربيّة تعاميم لرعاياها بعدم زيارة لبنان. تأثر القطاع السياحي سلباً.

ارتفاع الأسعار في لبنان للمطاعم والفنادق والمواصلات والهواجس الأمنية، كما أزمة ازدحام السير دفعوا بنسبة كبيرة من السائحين الأجانب والعرب الى اختيار وجهات سياحّية اخرى غير لبنان خاصة ​تركيا​ ومصر وغيرهما.

انخفض مستوى الدخل لدى المؤسسات السياحيّة فأقفل العديد منها.

ثالثاً-غياب تنشيط السياحة الدينيّة والأثريّة والريفيّة والرياضيّة جعل من مناطق الأطراف تنوء من ​الفقر​ والركود. ترافق ذلك مع وقف الدعم المصرفي للقروض السياحيّة.

اختصاصات جامعيّة عدّة لا سيما في مجال ادارة الفنادق والمطاعم وعلم الآثار وغيرها لن تجد في لبنان تطبيقا عمليا لها.

يذهب معظم الطلاب الى تحصيل شهاداتهم العالية خارج الوطن، من المتوقع أن تعمد دول أخرى تحترف تقدير الطاقات الى الاستفادة من هذه القدرات الشبابيّة اللبنانيّة المثقّفة في ظلّ صعوبة التحفيز على بناء المستقبل في لبنان.

رابعاً-أزمات الإسكان، الزراعة، ​الصناعة​، التعليم، الطبابة كلها تتفاقم. ما زلنا في العام ٢٠١٩ نطالب الدولة اللبنانيّة ببناء مستشفيات حكوميّة في المحافظات جمعاء.

بعلبك-الهرمل كما عكار، يرزح نسبة كبيرة من اَهلها دون مستوى خط الفقر.

اللامركزية الإدارية التي تساهم في تحقيق بعض النمو ما زالت حبرا على ورق.

ساهمت البلديّات في مناطق عدّة على إنعاش البلدات والمدن والقرى، ولكنها في اخرى أمعنت في زرع الخلافات العائليّة والحزبيّة، لما لدى القيّمين عليها من قدرة على تنشيط الحقد والكيدية والسرقة و​الفساد​، او فقط لانّ الانتخابات البلدية أنتجت بفعل غفلة بعض الاحزاب شخصيّات غير كفوءة.

يطمح العديد من الشبان والشابات الى ترك قراهم وبلداتهم، والسفر بعيدا للهروب من اجواء التحريض الخلافي وغياب التنمية والخلاف على أمور اقل ما يقال فيها تافهة.

فشلت السلطات التي تعاقبت على الحكم في بناء دولة قويّة. فعلياً، وحده الأمن ممسوك. ​الجيش​ والمقاومة ردعا احتلال لبنان من الاعداء والارهابيين فحققا حلم التحرير. الامن الداخلي ممسوك ايضا بفعل تحديث بعض الأجهزة الأمنيّة، مع الانتباه بألّا يتحول لبنان الى دولة بوليسيّة. فإلى أيّ مدى يبقى الأمن ممسوكا؟ لا أحد يعلم. عودة ​النازحين السوريين​ تتعقّد كل يوم أكثر مع كل تداعياتها السلبية على لبنان.

أحلام كثيرة لبنانية قُتلت وتُقتل. يمكن إحصاء عدد قتلى وشهداء الحروب ولكنه يصعب إحصاء أحلام الأحياء. في موت الأحلام يموت ​الانسان​ ومعه البلد.

من هم قتلة الأحلام؟ وبقبضة يد من هم؟ من حق الشعب ان يعرف يوما.