أحيا العالم الإسلامي، أمس (الأربعاء) ذكرى الإسراء والمعراج، لكن في مكان حصول المعجزة يكون لها وقع آخر، خاصة في هذه الظروف الدقيقة والمصيرية، بمواجهة الأطماع الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد القدس، باعتبارها عاصمة موحّدة للكيان الإسرائيلي، ومحاولة التقسيم المكاني والزماني لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

وأمس، جدّد الفلسطينيون تأكيد التصاقهم بالأرض وحماية المقدّسات والتفاني في سبيل ذلك، وإنّ القدس هي عاصمة دولة فلسطين.

شارك عشرات آلاف الفلسطينيين بإحياء الذكرى في المكان الشاهد على حصول معجزة الإسراء والمعراج في ​المسجد الأقصى​ المبارك، وهو ما حمل أكثر من رسالة بدلالات متعدّدة، تجسّد أهمية الرسالة الإلهية بإسراء الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وسلم، من مكة المكرّمة إلى المسجد الأقصى، ومعراجه إلى السموات العلى.

وعلى الرغم من الإجراءات المشدّدة التي اتخذتها وحدات الاحتلال، التي نشرت الحواجز ودقّقت في هويات المواطنين، بكّر مَنْ استطاع الوصول إلى المسجد الأقصى.

وأدّى المشاركون صلاة الجماعة في المسجد المبارك، بعد مسيرة حاشدة شاركت فيها 11 فرقة كشفية، وأكثر من 600 عنصر كشفي، طافوا بشوارع المدينة وأزقّة البلدة القديمة، وهم يرفعون الأعلام الفلسطينية ويرتدون الكوفيات، ويعزفون ألحاناً وطنية ودينية، وكان الأهالي ينضمون إلى المسيرة.

ولدى الوصول إلى باحة باب العامود، عزفت الكشافة السلام الوطني الفلسطيني، حيث أطلق المواطنون الهتافات المؤكدة على ارتباط الذكرى، وما تعنيه من تأكيد هوية المدينة والمكان.

هذا في وقت، يُصرُّ فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الإجهاز طعناً لتصفية القضية الفلسطينية لمصلحة الكيان الإسرائيلي.

ولا يكتفي بالقرارات المنحازة التي يتّخذها، بل يختار لها توقيتاً يحمل دلالات سياسية، تزيد من آثاره السلبية على الفلسطينيين.

وكشف النقاب عن أنّ الموعد المقترح ليعلن الرئيس ترامب "صفقة القرن" هو 15 أيّار المقبل، والذي يصادف الذكرى الـ71 لنكبة فلسطين وإعلان قيام الكيان الإسرائيلي في العام 1948، واختاره

الرئيس الأميركي في العام الماضي لنقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بعدما كان قد اعترف بها عاصمة موحّدة للكيان الإسرائيلي (6 كانون الأوّل 2017).

وعلى الرغم من عدم الإعلان عن "الصفقة الأميركية"، فإنّ الرئيس الأميركي لم يترك ما يخدم الاحتلال الإسرائيلي، ويُعزّز "يهودية الدولة العنصرية"، إلا وقام بتنفيذه والدفاع عنه، ولن يكون اعترافه بسيادة الاحتلال على الجولان السوري المحتل آخر المطاف.

وتردّد أنّ إدارة البيت الأبيض قد أنهت فعلياً ما يلزم من أجل طرح الصفقة، بعدما قامت بتأمين جزء كبير من التمويل المالي لضمان التنفيذ، والذي يُركّز على الجانب الاقتصادي، في محاولة لاختزال القضية الفلسطينية من أجل تصفيتها.

وهذا يفسّر ما يجري من حديث عن ملف اقتصادي يتعلّق بقطاع غزّة، واختزال إقامة دويلة فلسطينية هناك، وفصلها عن الضفة الغربية، التي سيقوم الاحتلال بضمها إلى كيانه الغاصب، على أنّها أراضي "يهودا والسامرة".

وإذا كان ما يجري الحديث عنه في "صفقة القرن"، تنفيذاً لـ"وعد بلفور" المشؤوم، الذي طوى عامه الثاني بعد المئة، فإنّ مفاعيل هذه الصفقة يُتوقَّع أنْ تبرز أكثر بعد سنوات عدّة.

لكن الظروف التي مرّت منذ الوعد المشؤوم، حملت المآسي للشعب الفلسطيني، خاصة في نكبة

العام 1948 ونكسة العام 1967، وهو ما لن يرضى بتكراره.

ويتجلّى هذا الرفض، بالتصدّي للمؤامرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948، وفي القدس والضفة الغربية وقطاع غزّة، وتمسّك اللاجئين بحق العودة، والموقف الصلب والثابت للرئيس محمود عباس، الذي أفشل مراحل وصيغ عدّة طرحت للصفقة، واستطاع حصد المزيد من المكتسبات السياسية والدبلوماسية لصالح فلسطين.

وأكد الرئيس عباس أنّ "الشعب الفلسطيني، بقدراته وإمكاناته البشرية، أثبت للعالم أجمع أنّه يستحق دولة، وأخذ مكانة مرموقة بين شعوب العالم، رغم الاحتلال ومعوّقاته".

جاء كلام الرئيس الفلسطيني، خلال استقباله أمس (الأربعاء) في مقر الرئاسة برام الله في الضفة الغربية، رؤساء الوفود المشاركة في اجتماعات الطاولة الوزارية المستديرة، وعدداً من المؤسّسات المعنية بالإدارة العامة، التي نظّمها ديوان الموظّفين العام، في إطار ترؤس دولة فلسطين لـ"مجموعة 77 + الصين" في الأمم المتحدة.

فيما أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أنّه "مُصر على الترتيبات في غزّة للتعامل مع الملفات الأخطر"، مشيراً إلى أنّ "حكومتنا نجحت بإيقاف الخطر الموجود في غزّة، وأغلقت أمامها طريق الإمداد والدعم، ونتحكّم في كل ما يدخل غزّة، ونعرف كل شيكل واحد أين

يذهب".

وقال: "نجحنا في التعامل مع التظاهرات على الحدود، ومنع تنفيذ عمليات خطيرة كانت تهدف إلى خطف جنود، كما قمنا بممارسة القوّة بطريقة ذكية وقوية، ورأينا في المسيرة الأخيرة، أنّه لم يكن هناك مليون شخص، لكن كان بضع عشرات الآلاف، وفرضنا عليهم الكثير من القيود، و"حماس" نشرت الآلاف من أجل ذلك، وهذه علامة على الردع، وقبل الدخول في احتلال برّي لغزّة يجب أنْ نستنفذ كل الاحتمالات الأخرى".

وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وفي إطار دعم المملكة العربية السعودية الدائم للقضية الفلسطينية، على الصعد كافة، قام "الصندوق السعودي للتنمية" بتحويل مبلغ 40 مليون دولار أميركي، إلى حساب وزارة المالية الفلسطينية، وهي مساهمات المملكة لدعم موازنة السلطة الفلسطينية لشهري شباط وآذار 2019.

في غضون ذلك، يواصل المستوطنون هجماتهم المنظّمة ضد الفلسطينيين، بحماية جنود الاحتلال، من خلال عربدتهم والاعتداء على المواطنين، وإطلاق النار على المسالمين منهم، والذريعة جاهزة، الزعم بمحاولة تنفيذ عملية!

فقد أقدم مستوطن على قطع الطريق عند مفترق بلدة بيتا - قضاء نابلس، وعندما ترجّل المواطن

محمّد عبد المنعم عبد الفتاح (23 عاماً) من الشاحنة التي يقودها، وتحمل لوحة أرقام إسرائيلية، لفتح الطريق، بادره المستوطن إلى إطلاق النار عليه، فأصابه في خاصرته، ما أدّى إلى استشهاده على الفور، زاعماً بأنّ الشاب كان يُحاول تنفيذ عملية طعن!

وواصل المستوطن إطلاق النار، الذي وصل إلى مسافة أكثر من 700 متر، ما أسفر عن إصابة الشاب خالد رواجبه (29 عاماً) الذي كان يُعدُّ الشاي، حيث يعمل في كراج والده لتصليح السيّارات، في بلدة حوارة - جنوب نابلس، ما أدّى إلى إصابته برصاصة في خاصرته، فنُقِلَ إلى "مستشفى رفيديا الحكومي" في نابلس.

وظهراً شُيّع جثمان الشهيد عبد الفتاح، في مسقط رأسه خربة قيس في سلفيت، في موكب شارك فيه الآلاف.

ولُفَّ جثمان الشهيد بالعلم والكوفية الفلسطينية، وحُمِلَ على الأكف، فيما تناقل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بالغ التأثير، تظهر فيه والدة الشهيد عبد الفتاح، وهي تحاول الوصول إلى جثمانه لوداعه.

وعلى صعيد الحراك الذي يشهده قطاع غزّة، فقد وصل أمس (الأربعاء) وفد أوروبي كبير إلى القطاع، عبر معبر بيت حانون "إيرز"، لمتابعة ترتيب تفاهمات التهدئة التي تُجرى بين الاحتلال

و"حماس" بوساطة مصرية وأممية.