ضجّت ​وسائل الاعلام​ ال​اسرائيل​ية والعالمية منذ ايام، بخبر استعادة اسرائيل رفات احد عسكرييها المفقودين خلال معركة السلطان يعقوب عام 1982. العسكري المعني هو الرقيب اول زكريا بومل، وقد تسلّمته اسرائيل عبر جهة ثالثة، وفق ما اعلنته. ولم يمض وقت طويل، حتى تهافت الاسرائيليون، وفي مقدمهم رئيس الوزراء الحالي ​بنيامين نتانياهو​، على قطف ثمار هذا "الانجاز" وتحويله الى رصيدهم.

اللافت في الموضوع، ان ​الاعلان​ عن استعادة رفات بومل المفقود منذ 37 عاماً، اتى قبل ستة ايام فقط من ​الانتخابات​ المزمع اجراؤها في اسرائيل، وقبل يوم واحد فقط على الزيارة التي اعلن عنها نتايناهو الى ​روسيا​ للقاء الرئيس ​فلاديمير بوتين​.

وفي عالم استخباراتي وتخطيطي كهذا، لا يبدو ان هناك مجالاً للصدف، فكل هذه الاحداث مترابطة حتماً، ويظهر بوضوح ان بوتين "باع" نتانياهو ورقة مهمة قبيل الانتخابات كان بحاجة ماسة اليها في ظل الهجمة الشرسة عليه من قوى المعارضة الاسرائيلية من جهة، وعدم قدرته بعد على فتح جبهة عسكرية ان في ​الجنوب​ مع الفلسطينيين او في ​الشمال​ مع ​حزب الله​، فيما تقبع روسيا على الحدود السوريّة كمراقب ثقيل لا يمكن تخطّيه. ضربت روسيا ضربتها، واثبتت بما لا يقبل الشك انها باتت تتحكم بشكل كلي بالملف السوري، سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، والاهم: ميدانياً وليس هناك من غموض حول نفوذها في هذه الدولة الذي تنوي ان توسّعه ليشمل دولاً اخرى في المنطقة. ويبدو من خلال المعطيات والتطورات المتسارعة، ان نتانياهو اصبح يعرض نفسه للبيع لدى الدول الكبرى من اجل استمرار حياته السياسية وبقائه رئيساً للوزراء، وهو فعل ذلك مع الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ ويكرّر الحالة مع الرئيس الروسي.

وليس سراً ان المسؤول الاسرائيلي كسب اوراقاً مهمة، فاعترفت ​الولايات المتحدة​ ب​القدس​ عاصمة لاسرائيل، وبسيادتها على ​الجولان​، فيما حقق نتانياهو كسباً معنويا مهماً من روسيا عبر استلامه عام 2016 دبابة اسرائيلية شاركت في معركة السلطان يعقوب وها هو يتسلّم رفات بومل الذي بدا باستثماره في الجبهة الداخلية ليعزّز التفاف ​الجيش​ والوحدات العسكريّة الاسرائيليّة حوله، ويضمن كسب عاطفة الاسرائيليين الذين يرون في الجيش خلاصهم وملاذهم الدائم.

في المقابل، يلعب الاميركيون والروس ورقة اخرى عبر الرهان على نتايناهو، حيث سيستفيد ترامب من الدعم الاسرائيلي اللامحدود له في الانتخابات المقبلة، في ظل الوضع الحرج الذي كان يعيشه قبل اسابيع قليلة، وسيكون هذا الدعم جرعة معنوية يحتاجها الرئيس الاميركي في ظل سيف ​تقرير​ ​روبرت مولر​ حول التلاعب الروسي ب​الانتخابات الأميركية​، والذي تركزت عليه الاضواء بعد اتهامات للمدعي العام وليام بار بأنه لم يعط صورة سوى عن جزء من التقرير، وهي صورة مجتزأة قد يشكّل اكتمالها ضرراً كبيراً على ترامب.

اما من الناحية الروسية، فمن المؤكد ان بوتين لا يقدّم هدايا مجانية، وينوي ان يحوّل نتانياهو الى "ترامب جديد" بالنسبة اليه، بحيث تكون له الكلمة الفاصلة في اي حديث بينهما، او اي مسألة يشوبها غموض او التباس في وجهات النظر بين الرجلين. وسيضمن الرئيس الروسي بذلك بسط نفوذه السياسي والدبلوماسي على المنطقة من خلال امساكه بطرفي الخيط: ​سوريا​ واسرائيل، ومن خلال شبكة التواصل التي ارساها مع ترامب والنظام الايراني و​تركيا​، سيكون للحضور الروسي ثقله الكامل في أي قرار يتعلق ب​الشرق الاوسط​، ويرسي بالتالي حقبة جديدة تنهي الاحاديّة الاميركيّة التي كانت سائدة.

ومع استلام اسرائيل رفات بومل، يبقى هناك رفات جنديين آخرين فقدا في المعركة نفسها، ومن المهم في هذا السياق معرفة التالي: هل سيتمّ استخدامهما في مراحل لاحقة؟ وما هو تأثير هذا الامر وتداعياته السياسية على الفلسطينيين؟.