منذ الدخول الروسي على خط الحرب السوريّة، تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول العلاقة "الملتبسة" التي تجمع كل من ​موسكو​ و​تل أبيب​ من جهة، وموسكو ومحور ​المقاومة​ من جهة ثانية، خصوصاً أن الأخير يعتبر أن المعركة التي يخوضها على مستوى المنطقة، هي بوجه ​الولايات المتحدة الأميركية​ وحليفتها ​إسرائيل​ بالدرجة الأولى.

منذ ذلك الوقت، صُور الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ على أساس أنه أحد أركان محور المقاومة، بينما على أرض الواقع لم يتوقف التنسيق بين موسكو وتل أبيب في أي لحظة، حتى بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية التي حمّلت موسكو تلّ أبيب المسؤوليّة عنها.

في قراءة لمصادر سياسيّة مطّلعة على هذا الواقع، هناك إلتباس كبير لدى الكثيرين حول هذا الملف، فموسكو ليست بأي شكل من الأشكال جزءاً من محور المقاومة، وهي لن تكون في أي يوم من الأيام نظراً إلى أن لا رغبة لديها في ذلك، في حين أن الجهود التي تقوم بها على خط الأزمة السوريّة هي لحماية مصالحها أولاً وأخيراً، في ظل الصراع القائم مع الولايات المتّحدة، وبالتالي لا يجب أن ينظر لها على أساس أنّها في موقع هي ليست فيه.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أنّ موسكو لديها علاقات مهمّة مع الجانب الإسرائيلي ليست في طور التخلي عنها، حتى أن قرار دخولها على خط الأزمة السوريّة لم يكن دون تنسيق مع تل أبيب على عكس ما يظن البعض، ف​روسيا​ تدرك جيداً تعقيدات هذه الساحة، وتلفت إلى أنه من هذا المنطلق يمكن فهم التباين في العلاقة الروسيّة-الإيرانيّة على الساحة السوريّة في أكثر من فصل، حيث تؤكّد موسكو، بشكل شبه دائم، على وجود تعاون بين الجانبين لكن هذا لا يعني التطابق في الموقف 100%.

من وجهة النظر الروسيّة، الأهداف السياسيّة تختلف بين موسكو ومحور المقاومة، خصوصاً أن الأولى تعتبر أن مهمتها تأمين ​الأمن​ لجميع الأفرقاء في ​الشرق الأوسط​، بما في ذلك تل أبيب، في حين أن الجانب الآخر يعتبر نفسه في معركة وجودية معها، كما أن روسيا تعتبر أن لها دور تاريخي في النزاع العربي الإسرائيلي تريد الحفاظ عليها، على قاعدة الحفاظ على العلاقات المميزة مع الجميع.

إنطلاقاً من ذلك تشدد المصادر نفسها، على أن العودة إلى بداية التدخل الروسي في ​الحرب السورية​، تكشف عن أحد الأهداف الأساسية التي تغيب عن الأذهان في بعض الأحيان، وهو أن موسكو غير راغبة في الدخول في صدام مباشر مع أي من اللاعبين الإقليميين أو الدوليين، لا سيما ​أميركا​ و​تركيا​ وإسرائيل، بغض النظر عن المساعدات العسكريّة التي كانت تقدمها إلى دمشق، على مدى سنوات طويلة، التي تعتبر نفسها في حالة صراع مع تل أبيب.

في الجانب المقابل، توافق مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، على هذه القراءة، لكنها من جهة أخرى ترى أن التصرفات الروسية على هذا الصعيد تحرج محور المقاومة، نظراً إلى أنها تلامس المسلّمات على صعيد العلاقة مع إسرائيل، وبالتالي ليس هناك ما يستدعي الإستمرار في الخدمات المجانية التي تقدمها إلى تل أبيب، لا سيما بعد الإعلان عن تسليم ​اسرائيل​ رفات الجندي الإسرائيلي زخريا باومل، الذي قضى في منطقة الشيخ يعقوب أثناء مشاركته في اجتياح ​لبنان​ في العام 1982.

وفي حين يضع البعض ما حصل في سياق التنافس الأميركي الروسي على تقديم "​الهدايا​" لرئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​، قبل الإنتخابات الرئاسية، ترى هذه المصادر أن هذه الحادثة ينبغي أن تقود إلى إعادة التأكيد بأن التحالف مع موسكو يقتصر على مواجهة المجموعات الإرهابية في ​سوريا​، في حين أنه على مستوى الصراع مع إسرائيل هي فريق محايد في أحسن الأحوال، وبالتالي لا يمكن التعامل معها على أساس أنها حليف كامل المواصفات.

في المحصّلة، هي لعبة المصالح التي تدير العلاقات بين الدول، ولروسيّا اليوم مصالح مع إسرائيل التي لن تتخلّى عنها، على عكس ما هو عليه الواقع اليوم بالنسبة إلى محور المقاومة، ومن هنا يمكن توقع المزيد من "الهدايا" التي قد تقدمها موسكو لتل أبيب في المستقبل.