يصحّ القول عن ​الاقتصاد اللبناني​ انه في مهبّ الريح. والمعنى بهذه العبارة هنا، ان الرياح السياسيّة تتقاذفه لغايات ومصالح تتعلق بكل من يطلق موقفاً يهمّه ان يضيء على ناحية، تجعل من الحزب او التيار (او حتى الشخصيّة) الذي اطلقه مرجعاً لما يمكن ان يحصل، خصوصاً وانه غالباً ما تكون هذه المواقف مقرونة بتأكيدات صاحبها وضمانته بأنّ كلامه صائب ولا يحتمل التأويل.

هكذا، يجد الاقتصاد اللبناني ومعه ​الوضع المالي​ نفسه في خضمّ موج عارم من القلق، ولكن سرعان ما تراه في اليوم التالي على شاطىء الامان. كل ذلك دليل على ان احداً من المسؤولين لا يهمّه ايصال الفكرة الصحيحة للناس حول الواقع الفعلي للاقتصاد، فهل هو على حافة الانهيار بالفعل، ما يعني افلاس الدولة والدخول في نفق مجهول من المصائب والكوارث الماليّة والاقتصاديّة ومعها الامنيّة بطبيعة الحال؟ ام انه على طريق الاصلاح وتم وضعه على السكة الصحيحة التي ستوصله ومعه اللبنانيين، الى الهدف المنشود؟.

انه الضياع الكلّي، ومردّ ذلك هو الكلام الاخير الصادر عن وزير الاقتصاد ​منصور بطيش​، الذي خصص مؤتمره الصحافي للحديث عن واقع الاقتصاد اللبناني، الا انّه زرع القلق في النفوس عبر الحديث عما وصفه "ارقاماً غير مطمئنة"، ولو انه شدّد على امكانيّة تجاوز هذا الواقع. كلام بطيش اتى مفاجئاً، لانّ الجهة السياسيّة التي ينتمي اليها والتي تدعم رئيس الجمهورية ايضاً، تتحدّث بلسان آخر عن الوضع نفسه، ولو انها تعترف بوجود صعوبات الا انها لم تتحدث يوماً عن واقع غير مطمئن، ولا عن انتقاد لسياسة حاكم ​مصرف لبنان​. ولكن الايجابي في كلام بطيش هو انه عرض حلولاً للمشاكل التي أعلن عنها، ولم يكتفِ بتعداد العقبات كما يفعل غيره. الا انّ المقلق في هذا الكلام، هو انه صادر عن وزير حالي في الحكومة، وليس عن أيّ وزير، بل وزير الاقتصاد نفسه الذي لم يذكر في كلامه أيّ حديث عن الخطة الاقتصاديّة الّتي تمّ وضعها والتي يذكّر فيها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ليل نهار معتبراً اياها السلاح الذي سيعيد الحرية الى النهضة الاقتصاديّة.

وهل يمكن فعلاً البدء بـ"تسويق" الحلول التي وضعها وزير الاقتصاد، ام انّها ستخضع للدرس والنقاش قبل إحالتها الى لجان وزارية وبعدها الى درس اكبر واعمق؟ وما هو مصير الخطّة الاقتصاديّة الموضوعة، هل الحلول المقترحة مكمّلة لها او اضافة لا بدّ منها للوصول الى النجاح المرغوب؟ وما الذي يجب فعله لاصلاح الهندسة الماليّة والاقتصاديّة التي يشكو منها الوزير بطيش، وهل لم يعد حاكم مصرف لبنان مصدر ثقة او الشخص القادر على التعامل مع الواقع الراهن اللبناني اقتصادياً ومالياً؟ واذا كان الجواب ايجاباً، فمن الذي سيحلّ محله في حين انّ تعيين نائب له اخذ ضجة وكاد ان يتسبب بخلاف سياسي كبير؟.

لم تكن نتيجة ما اراد قوله الوزير بطيش في مؤتمره الصحافي الاخير، كما ارادها تماماً، فهو اراد طمأنة الناس، ولكن ما حصل هو انه اثار الشك في نفوسهم حول الكثير من الامور، وترك لديهم اسئلة لا جواب عليها، في حين ان فريق عمل التيار الوطني الحر ورئيس الجمهوريّة يضعان هذه الازمة نصب اعينهم، حتى انهم استعانوا بشركة "ماكينزي" لاجتراح التصوّر الشافي للخروج من المشكلة وتعزيز فرص الصعود من القعر.

لا زلنا لا نعلم بالفعل حقيقة وضعنا الاقتصادي والمالي، غير انّ ما يتفق عليه الجميع هو اننا امام مشكلة حرجة ويجب ايجاد الشفاء اللازم لما تحمله من مشاكل في اسرع وقت ممكن، مع الاشارة الى انه وفق الرؤية السياسيّة الشاملة، فإن من غير المتوقع وصول لبنان الى الافلاس، ليس بسبب بعد نظر المعنيين فيه، بل بسبب عدم توافر الاجواء الدوليّة لذلك، فمثل هذا الانهيار سيؤدّي الى "خراب البصرة" بالقول والفعل لان المنطقة كلها ستكون مهدّدة من جديد.