قد لا يكون جديداً أن تتسرّب أنباءٌ ومعلوماتٌ عن نيّةٍ لدى ​الإدارة الأميركية​ بتوسيع العقوبات المفروضة على "​حزب الله​"، لتشمل حلفاءه المحليين والاستراتيجيّين، وعلى رأس هؤلاء بطبيعة الحال رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، وحركة "أمل" التي يرأسها، بمُعزلٍ عن مدى دقّتها وصدقيّتها.

فقد سبق أن طُرح هذا الملف على ​النقاش​ في العام 2017، عند مناقشة قانون العقوبات الأميركي على "حزب الله" في ​الكونغرس​، وقيل يومها إنّ اتصالات رفيعة المستوى جرت بين لبنان وواشنطن، وأدّت إلى صرف النظر عن توجّهٍ كان أكثر من جدّي، لتشمل العقوبات سياسيّين داعمين للحزب، من "أمل" و"الوطني الحر" وغيرهما.

ولكن، لماذا يُعاد طرح هذا الموضوع اليوم؟ وهل هو جدّي فعلاً، ربطاً بتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، أم أنّه يندرج في خانة "التهويل" أكثر، في إطار الضغط على بري لتليين بعض مواقفه، خصوصاً في ما يتعلق بملفّ ترسيم الحدود؟! وكيف يمكن أن يتصرّف لبنان في الحالتيْن؟!.

الحملة مستمرّة...

قد يكون لافتاً أنّ الكلام الأميركي عن توسيع العقوبات على لبنان، جاء في خضمّ حملةٍ واسعة تخوضها الإدارة الأميركية الحالية في وجه إيران، وبالتالي في وجه "حزب الله" الذي تعتبره أداةً أساسيّة لها في المنطقة، وهو ما تجلّى بوضوح من خلال التصريحات الأميركية المكثّفة في الآونة الأخيرة، وآخرها ما صدر عن وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​ نفسه في زيارته الأخيرة إلى لبنان، من بيان شديد اللهجة قيل إنّه أبعد ما يكون عن اللغة الدبلوماسية المعتمدة بين الدول.

وانطلاقاً من ذلك، يضع الكثيرون التهويل الأميركي بتوسيع العقوبات على "الحزب"، في إطار هذه المعركة، خصوصاً أنّ بومبيو لم يسمع خلال زيارته إلى لبنان ما يرضي إدارته بشكلٍ أو بآخر، ليس من رئيس البرلمان فقط، بل حتى من رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ووزير الخارجية ​جبران باسيل​، وصولاً إلى رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الذي لاذ بالصمت، علماً أنّ الاستياء الأميركي من لبنان جاء خصوصاً بسبب الموقف "الصارم" لجهة ترسيم الحدود البرية والبحرية، في وقتٍ شكّل هذا الملف، برأي كثيرين، الهدف الأساسيّ، وربما المخفيّ، من زيارة بومبيو إلى لبنان، بطلبٍ مباشرٍ من ​تل أبيب​.

وبناءً على هذه المعطيات، يرى كثيرون أنّ التهويل الأميركيّ بتوسيع العقوبات قد يكون "جدياً" في مكانٍ ما، خصوصاً بعدما أثبتت الإدارة الأميركية الحالية أنّ لا "خطوط حمراء" في معاركها في المنطقة، وأنّها مستعدّة لفعل كلّ ما تستطيع من أجل تحقيق "أجندتها"، أو بالأحرى الأجندة الإسرائيلية، وهو ما تثبته التسريبات المتكرّرة عن "صفقة القرن" وبنودها المثيرة للجدل، والتي يُقال إنّها ستوضع حيّز التنفيذ في المرحلة المقبلة، على رغم كلّ الاعتراضات عليها.

إلا أنّ وجهة النظر هذه تصطدم مع وجهة نظر أخرى، تستبعد إمكان ترجمة "التهويل" عملياً، باعتبار أنّ من شأنه أن ينقلب على الواقفين خلفه، وترجّح فرضية توظيفه في إطار "الضغط" على لبنان، لعدم التماهي أكثر مع "حزب الله"، الذي بات يتمتع بنفوذٍ واسعٍ في الداخل اللبنانيّ، بل في المؤسسات الشرعية اللبنانية وعلى رأسها الحكومة، بدعمٍ مباشرٍ من حلفاء، يؤمّنون "الغطاء" لأعماله وممارساته، ما يجعله قادراً بشكلٍ أو بآخر، على "التحايل" على العقوبات المفروضة ضدّه، وهنا بيت القصيد بالنسبة إلى واشنطن.

"قلق" لبنانيّ؟!

الأكيد في الحالتيْن، أنّ لبنان لا يستسيغ مثل هذا التوجّه للتعامل مع "حزب الله" وحلفائه، وخصوصاً "​حركة أمل​"، وكأنّهما وجهان لعملة واحدةٍ، أو جسمٍ واحدٍ، علماً أنّ ثمّة معلوماتٍ تتحدّث عن اتصالاتٍ واسعة باشرها الجانب اللبناني مع المعنيّين في الإدارة الأميركية لثني المسؤولين هناك عن أيّ توجّه من هذا النوع.

وإذا كان المعنيّون في لبنان يصرّون، حتى الآن، على أنّ كلّ ما صدر في هذا السياق، ليس جدياً ولا جديراً بالنقاش، طالما أنّه لم يصدر عن أيّ جهةٍ رسميّة، وبالتالي يندرج في إطار "كلام الصحف"، أقلّه حتى يثبت العكس، فإنّ آخرين يلفتون إلى تزامنه مع زيارة يقوم بها وفد نيابي إلى واشنطن يضمّ عضو كتلة "التنمية والتحرير" ​ياسين جابر​، ورئيس ​لجنة المال والموازنة​ النيابية ​ابراهيم كنعان​، ومستشار بري الإعلامي ​علي حمدان​، ولا يتردّدون في وضع هذه الزيارة أصلاً في إطار محاولة "احتواء" الموقف سلفاً، في تكرارٍ لسيناريو 2017.

ولعلّ "القلق" اللبناني ينطلق بالدرجة الأولى، من "خطورة" عدم الفصل بين "حزب الله" و"حركة أمل" على الداخل اللبناني، ولو كان الطرفان متناغميْن إلى أقصى الحدود في المواقف الاستراتيجيّة، ولو كان البعض يعتبر أنّ بري، بصفته المدنيّة، يؤمّن "الغطاء الشرعي" لأعمال الحزب العسكرية، وخير دليلٍ على ذلك أنّ "الحزب" يعتبر تحالفه مع "أمل" خطاً أحمر، ولم يتردّد في تعريض علاقاته مع بعض القوى السياسية للخطر، كرمى لعيون بري في أكثر من مناسبة.

لكن، وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو التوجّه إلى وضع "حزب الله" و"أمل" في خندقٍ واحدٍ مريحاً لأحد في لبنان، من حلفائهما وخصومهما، علماً أنّ مثل هذا الحديث يتناقض مع سلوك الإدارة الأميركية نفسها تجاه لبنان، وهي التي يحرص مسؤولوها الذين يزورون لبنان باستمرار على لقاء بري. ويتعزّز الحذر من أن يؤدّي أيّ سلوكٍ من هذا النوع، إلى "عزل" شريحة واسعة من اللبنانيين، ثبت في الانتخابات الأخيرة حجمها التمثيليّ، علماً أنّ البعض يشير إلى "تمايز" واضح بين بري و"الحزب" لا يجب التفريط به، وإن كان شكلياً، خصوصاً في ما يتعلق بالعمق العربيّ الذي يحرص بري على تجسيده في كلّ المناسبات، حتى أنّه في عزّ "المعارك" التي خاضها "حزب الله" ضدّ بعض الدول العربيّة، لم يُرصَد لرئيس البرلمان كلامٌ سلبيّ بحقّ هذه الدول، بعيداً عن تكراره الموقف من أزمات المنطقة، و"الوحدة العربية" وغيرها.

فصلٌ غير واقعيّ؟!

يشبّه البعض الفصل بين "حزب الله" و"حركة أمل" بالفصل بين الجناحيْن العسكري والسياسيّ في "حزب الله"، في إشارة إلى "الحيلة" التي تعتمدها الكثير من الدول الأوروبية، لإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع "الحزب".

وإذا كان مثل هذا "الفصل" داخل "حزب الله" غير واقعيّ، باعتبار أنّ "الحزب" نفسه يصرّ دائماً وأبداً، على القول إنّه جسمٌ واحد ولا أجنحة فيه على الإطلاق، فإنّه قد يصبح واقعياً في العلاقة مع بري، الذي يبقى "متمايزاً" عن "الحزب"، علماً أنّ "الخلافات" بينهما ليست ببسيطة على الصعيد الداخليّ.

مع ذلك، ثمّة من يقول إنّ "الضغط" يمكن أن يتحوّل إلى "واقع" في أيّ لحظة، خصوصاً إذا ما كانت المصلحة الإسرائيليّة هي المتحكّمة بمجرى الأمور، ما يعني أنّ على لبنان التأهّب لكلّ السيناريوهات، والتعامل معها وفقاً لمصلحته هو، أولاً وأخيراً...