يقولون في الأمثال: "نسمع جعجعة ولا نرى طحينًا"... في جزء منه، ينطبق هذا المثل على ما يجري في بعض الملفات في ​لبنان​ ولا سيما القضائية منها...

منذ فترة ليست بقصيرة، بدأ الحديث عن فتح الملفات في لبنان، تنفَّس ​اللبنانيون​ الصعداء، انفرجت اساريرهم، قالوا في قرارة أنفسهم: "بدأ الشغل" ها هي الملفات بدأت تتلاحق:

تحقيقات في الدوائر العقارية، تحقيقات في بعض قصور ​العدل​، طلب رفع الحصانة عن محامين وضباط وأعضاء في ​الجمارك​، طلبات كف يد لبعض ​القضاة​... استبشر اللبنانيون خيرًا وقالوا: بدأت الملاحقات، واسترجعوا ما كانوا يسمعونه عن عهود غابرة في الإصلاح ولا سيما منها عهد الرئيس ​فؤاد شهاب​.

لكن حتى اليوم، مَن طالت تلك الملاحقات؟

قضاة لا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد الواحدة "بالتوقيف عن العمل".

موظف فئة أولى عدد واحد، لا غير، بإعطاء الإذن بملاحقته.

رئيس دائرة في الدوائر العقارية.

معقبو معاملات.

مرافقون وسائقون لقضاة أو ضباط.

***

سنحاول أن نكون إيجابيين، ولكن، ما هدف ​مكافحة الفساد​ والفاسدين؟ هل هي على طريقة "الفن للفن"؟ أم أن الجدوى من ورائها:

استرداد الاموال المسروقة من كل مَن عمل في الشأن العام.

إبعاد الموظفين الفاسدين تمهيدًا لوصول موظفين نزيهين يُعطون أمثلة في الشفافية والنزاهة.

أين لبنان من هذه الأهداف؟

لنفترض أن الهدر والفساد نسبته من ​الدين العام​ 25 في المئة. وأن الدين العام هو 100 مليار ​دولار​، فتكون السرقة من الهدر والفساد 25 مليار دولار، فأين لبنان من هذا المبلغ؟ هل يُستعاد بتوقيف سمسار أو مرتشٍ أو موظف ؟

إن "تنقية ملفات الفساد" تشبه إلى حد كبير "تنقية ذاكرة الحرب". في تنقية ذاكرة الحرب نقول: نسامح ولكن لا ننسى. لكن في تنقية ملفات الفساد نقول: لا ننسى والمطلوب استرداد المسروق. والمطلوب البدء من اليوم ولكن مع العودة إلى الوراء وتحديدًا الى العام 1990 مع انتهاء الحرب أو وقفها، لأنه منذ ذلك التاريخ بدأت الهبات والمساعدات و​القروض​ تصل إلى لبنان، وبدأ التعاطي بالمال، جميع الذين عملوا بالشأن العام يجب ان يكونوا تحت المجهر.

هناك "بنك معلومات" يجب ان يوضع عن جميع الذين عملوا في الشأن العام من رؤساء ووزراء ونواب ومدراء عامين وسفراء وضباط ورؤساء اتحادات بلدية ورؤساء بلديات.

كم يبلغ عدد هؤلاء؟ في احصاء أولي لا يبلغ العشرة آلاف، فهل يصعب على الدولة ان تكوِّن ملفات عشرة آلاف شخص عملوا في الشأن العام؟ ولتكن البداية من كل المراحل من دون استثناء، وكلما اكتمل ملف بكل معطياته، تبدأ الملاحقة والمحاسبة، وحتى مَن يكون خارج البلاد تتم المطالبة باسترداده وفق القوانين الدولية المرعية الإجراء.

***

هذا هو حجم ​محاربة الفساد​ واسترداد الاموال المسروقة؟

في ​العالم​ هناك "التجربة الإيطالية" في مكافحة المافيات واسترداد الأموال المنهوبة، استلزمت قضاء نزيهًا وجريئًا.

فلنستلهم التجربة الإيطالية، وما دون ذلك ستبقى عملية محاربة الفساد أمنية بعيدة المنال.