لم يعد الحديث عن خلافات "​التيار الوطني الحر​" و"تيار ​المردة​" جاذباً أو حتى مثيراً للاهتمام، بعدما تخطى الحليفان السابقان مرحلة تحالفٍ لم يُكتَب لها الصمود، بل ضربا بعرض الحائط كلّ محاولات تقريب وجهات النظر بينهما، والتي دخل على خطها الكثيرون ممّن يعتقدون أنّهم "يمونون" عليهما من دون أن ينجحوا في تحقيق أيّ "خرق".

مع ذلك، تعود العلاقة بين الحزبيْن إلى الواجهة، بين الفينة والأخرى، تارةً بسبب تصريحٍ من هنا أو هناك، يبالغ البعض في تفسيره على أنّه رسالة "حسن نيّة"، أو بالحدّ الأدنى، أنّه رميٌ للكرة في ملعب الآخر، وطوراً بسبب ما يمكن وضعه في إطار "النكايات"، أو ربما "الاستفزازات المتبادلة" بين الفريقيْن، والتي لا يبدو أنّ نهايتها باتت قريبة.

ولعلّ الزيارة التي قام بها رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية ​جبران باسيل​ نهاية الأسبوع الماضي إلى ​زغرتا​ أجّجت الخلافات بدل أن ترطّب الأجواء، من حيث الشكل والمضمون، اللذين لم يرَ فيهما "المردة" سوى استهداف له، في الزمان والمكان غير المناسبيْن...

تجاهلٌ وأكثر...

بالنسبة إلى تيار "المردة"، فإنّ زيارة باسيل إلى زغرتا، لم تكن موفّقة، بل إنّها لم تكن "بريئة" من نوايا، لا يتردّد البعض في وصفها بـ"الخبيثة"، إذ إنّها كانت تهدف في المقام الأول، إلى محاولة "تهميش" رئيس "​تيار المردة​" ​سليمان فرنجية​ في عرينه وعقر داره، وما تجاهله بالمُطلق من "أجندة" الزيارة سوى خير دليل على ذلك، مع تسجيل مفارقة حرص باسيل على عدم الإشارة إلى "المردة" بالاسم نهائياً خلال كلمته في المناسبة.

وبمُعزَلٍ عن الملاحظات "الشكليّة" على الزيارة، والتي تتخطى "تجاهل" التيار الأقوى في زغرتا، بشهادة نتائج ​الانتخابات​ النيابيّة الأخيرة، وتمتدّ إلى "رمزيّة" المحطّات التي تضمّنتها، يعتبر المحسوبون على "المردة" أنّ هجوم باسيل على "المردة"، من دون تسميته، لم يكن مبرّراً، بل إنّ المُنتظَر منه كان العكس من ذلك تماماً، خصوصاً بعد الرسائل الإيجابيّة التي وجّهها فرنجية إلى ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​، وحتى باسيل، على خلفيّة المواقف التي أطلقاها خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​ الأخيرة إلى ​لبنان​.

وإذا كان أكثر ما استفزّ "المردة" حديث باسيل عن "طموحه" بأن يكون لـ"التيار الوطني الحر" نائب أصيل في زغرتا، أي من صلب "التيار"، إلى جانب "الحليف"، في إشارة إلى النائب ​ميشال معوض​، في الانتخابات المقبلة، فإنّ علامات استفهام بالجملة تُطرَح في هذا الإطار، تتمحور خصوصاً عن "المانع" الذي جعله يتأخر عن تحقيق هذا الطموح "المشروع"، ولماذا لم ينفّذه في الانتخابات الأخيرة، إلا إذا كان يعتقد أنّ "العهد القوي" من شأنه أن يوفّر له في زغرتا، ما لم يستطع تحقيقه طيلة سنوات "النضال" السابقة.

وربطاً بما سبق، يتوقف المحسوبون على "المردة" عند "رواية" باسيل عمّن لم يكن يجرؤ أن يقول قبل سنوات إنه ينتمي إلى "التيار"، في رسالةٍ يقرأون فيها اتهاماً "ضمنياً" بوجود "إلغاء وإقصاء" في زغرتا، وهو ما يشدّدون على أنّه اتهامٌ مردودٌ على أصحابه، الذين يعتمدون ​سياسة​ "الإلغاء والإقصاء" مع تيّار أثبتت الانتخابات حيثيته الشعبية في زغرتا خصوصاً، التي تبقى مفتوحة على جميع القوى والزعماء، وما زيارات باسيل المتكرّرة إليها، على رغم الخلاف العميق مع "المردة"، سوى الدليل الساطع على ذلك.

حملات "شرسة"!

يقول "المردة" إنّ تجاهل باسيل لحيثيته وقوته ليس غريباً، في عزّ الخلاف بين الجانبين، باعتبار أنّه أصلاً لم يكن يعير ذلك اعتباراً، في ذروة "التحالف" بين الجانبين، بل "الذوبان"، كما أراده "التيار"، في تكتّلٍ واحدٍ. ولكن في المقابل، يرى "التيار الوطني الحر" أنّ ردّة الفعل على كلام باسيل هي المُستغرَبة، لا العكس، وكأنّ البعض الذي يهاجم "التيار" ليلاً نهاراً، ولا يوفّر مناسبة لتصويب السهام نحوه، ينتظر أن يردّ الآخرون على الأشواك بالورود.

بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ باسيل لم يقل شيئاً جديداً في خطابه في زغرتا الذي يكرّره باستمرار، ولكن يبدو أنّ "تيار المردة" الذي يحاول أن "يحتكر" الساحة الزغرتاوية، بات "يُستفَزّ" من أيّ كلام أو فعل. ويذهب المحسوبون على "الوطني الحر" أبعد من ذلك، بالإيحاء بأنّ "المردة" الذي يقول إنّ زغرتا مفتوحة على جميع القوى، لا يترجم هذه المقولة عملياً، بدليل أنّ "ضغوطاً" مورست على العديد من الشخصيات الزغرتاوية للتغيّب عن لقاءات باسيل ومقاطعتها، مع أنّ بعض هؤلاء كانوا قد أكّدوا الحضور في وقتٍ مُسبَق.

ولعلّ أكثر ما استفزّ "الوطني الحر" في المقابل كان حديث "المردة" عن "إشارات إيجابية" كان يفترض تلقّفها، في إشارة إلى الموقف الاستراتيجي المُشترك، الذي تمّ التعبير عنه خلال زيارة بومبيو. وتكثر في هذا السياق علامات الاستفهام عمّا هو أبعد من هذه "الإشارة" الخجولة واليتيمة، خصوصاً في ظلّ الحملات الشرسة والتي لا تتوقف من جانب "المردة" على قياديّي "الوطني الحر" ورموزه بصورة يومية، بل باستخدام نعوتٍ وأوصاف لا تليق بآداب التخاطب السياسي.

ويكفي برأي المحسوبين على "الوطني الحر"، لتتفاقم الخلافات أكثر، إصرار "المردة" دائماً على الإيحاء بأنّ الكرة في ملعب رئيس الجمهورية، لا العكس، وهو ما يحاول فرنجيّة تصويره من خلال قوله دائماً إنّه ينتظر أن "يستدعيه" عون، وأنّه جاهزٌ لأيّ "استدعاء"، وهو أيضاً ما ينمّ برأيهم، على "إهانة" لمقام ​رئاسة الجمهورية​، فضلاً عن "الإساءة" التي ينطوي عليها ذلك لشخص الرئيس عون، كما لشخص الوزير فرنجية نفسه، باعتبار أنّ الخلاف بينهما لا يمكن أن يُحَلّ بـ"استدعاء رئاسيّ" ليس أصلاً من مهام رئيس الجمهورية.

الخلاف الحقيقي...

وسط الاتهامات والاتهامات المضادة بين "التيار الوطني الحر" و"تيار المردة"، شيءٌ وحيدٌ يبدو أكيداً وثابتاً، ألا وهو أنّ المناكفات المتبادلة بينهما لن تجد نهاية في المدى المنظور.

أما السبب فليس غياب الكيمياء بين فرنجية وباسيل، كما يحلو للبعض القول، على رغم الانتقادات "الشخصية" التي لا تخلو منها الاشتباكات المتكرّرة بينهما، بل شعور كلّ منهما بأنّ الآخر قد يكون منافسه الأول على خلافة عون.

باختصار، الواضح أنّ الخلاف الحقيقي هو على رئاسة الجمهورية المقبلة، ولذلك، لا يمكن لفرنجية وباسيل أن يتفقا طالما أنّهما يشعران بالمنافسة فيما بينهما، بل إنّهما لن يتردّدا في "ابتداع" أي خلاف، متى دعت الحاجة، لزيادة رصيدٍ من هنا، وتحقيق شعبويّةٍ من هناك، وفق مبدأ "الغاية تبرّر الوسيلة"...