لم يكن الحديث عن عقوبات أميركيّة على رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ وقيادات في حركة "أمل" صحيحاً على الإطلاق. الكلُّ نفى علمه بها، في ظل إرتياح رُصد في ​عين التينة​ لعدم صحة تلك الشائعات. علماً أن المعلومات كانت افادت أن السياسة الأميركيّة التي حملها معه وزير خارجية ​الولايات المتحدة​ ​مايك بومبيو​ إلى بيروت في زيارته الأخيرة، تقوم على السعي من أجل فصل الصف الشيعي عن بعضه بإبعاد حركة "أمل" عن "​حزب الله​". وقالت مصادر في قوى "١٤ آذار" إنّ الأميركيين حثّوا أصدقاءهم اللبنانيين على زيادة الإنفتاح على بري إلى حدّه الأقصى، والإشادة بدوره، لإيجاد شرخ بين أنصار الفريقين الشيعيين.

وأوضح المطّلعون أن هناك دراسات أجرتها مراكز متخصّصة في لبنان لصالح واشنطن تفيد أن الشرخ الشيعي ممكن، بالإعتماد على وسائل التواصل الإجتماعي بالدرجة الأولى لإثارة أنصار الفريقين ضد بعضهما، إلى جانب خطوات سياسية يكمن في صلبها إقدام خصوم "حزب الله" على كيل المديح الدائم بسياسة ودور بري.

أمّا حول مصادر المقال الصحفي الذي أورد أنباء عن عقوبات أميركية محتملة على رئيس المجلس، فقال مطّلعون ان لا علاقة لواشنطن بها، بل إنها أتت في إطار "إبداء عواصم خليجية إنزعاجها من بري الذي زار قطر للمشاركة في مؤتمر برلماني"، فجرى ضخ الشائعات من مصادر خليجية، رغم أن بري سبق ورسّخ في ​العراق​ سياسة شيعيّة منفتحة على الدول الخليجيّة و​إيران​ معاً، ووضع العراق في موقع الوسيط الدائم بين الأفرقاء المتنازعين إقليمياً.

لكن القراءات العراقية والخليجية توحّدت حول دور بري، كما اظهرت زيارته، وتباينت بشأن ما بعدها: تنبّه العراقيون إلى ما فعله بري في النجف تحديداً، أثناء لقائه الخاص والمطوّل مع المرجع الأعلى عند ​الشيعة​ السيد ​علي السيستاني​، خصوصا ان اللقاء المذكور جاء بعد إجتماعات رئيس المجلس النيابي اللبناني في ​بغداد​. ماذا جرى في اللقاء؟ لا أحد علم التفاصيل، سوى ما قاله بري عن لعب دور الجمع والوصل. لكن قوى سياسية عراقية ذهبت إلى حد مطالبة بري بلعب دور توفيقي اولاً بين العراقيين، نظراً للإحترام الذي يكنّه له ابناء هذا البلد، و"المونة" على قواه السياسية، وبسبب العلاقة الخاصة التي تربطه بالمرجعية الشيعية الدينية في النجف التي ينتظر معظم العالم الشيعي الفتاوى التي تصدر عنها، ويعملون بها.

لكن الخليجيين الذين رصدوا وقائع زيارة بري بتفاصيلها إلى العراق، وإطلّع عليها الوفد السعودي الذي تزامنت زيارته الى بغداد مع وجود بري هناك، أوحوا إذا صحّ أنهم يقفون خلف بث تلك الشائعات حول عقوبات منتظرة على حركة "أمل"، أن بري نسف مسعاه في العراق من خلال زيارة ​الدوحة​ والاجتماع بأميرها تميم بن حمد، الذي تقاطعه العواصم الخليجية.

فلماذا لا يمكن ان يفرض الأميركيون العقوبات على بري؟

- إن سعي الاميركيين هو لعزل "حزب الله" وإبعاد الحاضنة الشعبية الشيعية عنه، ولا يستقيم السيناريو المذكور مع دفع حركة "أمل" من خلال معاقبتها للإلتصاق بالحزب.

- كما أن بري هو صلة الوصل الفاعلة الوحيدة بين الطوائف داخليا والقوى الخارجية، مع الشيعة في لبنان، ولا يمكن التخلي عنه.

- لم يستطع معارضو الحركة والحزب إنتاج تنظيم شيعي بديل وقادر رغم كل المحاولات التي جرت سابقا، ما يستدعي تعزيز سيناريو الفصل بين الفريقين كخيار وحيد، لا يعني في جوهره الرضا على الحركة.

- رغم دفاعه الدائم عن "حزب الله"، والتزامه بخط المقاومة وإعتبار نفسه أنه بناها، وثبّتها، وورث مبادئها من الإمام ​موسى الصدر​، يتميّز بري عن الحزب بخطابه الأكثر إنفتاحاً على السنّة العرب، وعلى الغرب والاميركيين تحديداً.

- لا تملك حركة "أمل" سلاحاً كما حال الحزب، ولا بنية تنظيمية عقائدية ترتبط ب​ولاية الفقيه​، بل تعدّ بالنسبة للقوى الداخلية والخارجية اكثر إنفتاحاً وإعتدالاً.