لا يعترينا شك او تساؤل عما اذا كان فوز ​بنيامين نتانياهو​ في ​الانتخابات​ ال​اسرائيل​ية هو مؤشر الى ان السلام في المنطقة ابتعد اكثر فأكثر عنها. ولكن في المقابل، لا يمكن القول اننا كنا نتوقع ان يحل السلام بالفعل فيما لو فاز شخص آخر غير نتانياهو، لان النتيحة نفسها. لم يأت فوز رئيس الوزراء الحالي من المجهول، بل كان مخططاً له، ولكنه طرح اكثر من علامة استفهام داخل اسرائيل وخارجها.

في الداخل الاسرائيلي بداية، باتت صورة نتانياهو مخيفة لدى غالبية الاسرائيليين كونها تذكّر ببعض الزعماء العرب الذين بقوا في منصبهم لعقود من الزمن. وها هي الولاية الخامسة له كرئيس للوزراء تلوح في الافق، في تعبير واضح عن ان الديمقراطية التي تحاول اسرائيل التغنّي بها اصبحت في المجهول، ولم يعد يحق لاي اسرائيلي الحديث عن "تفوّق" و"تميّز" بالحرية في وقت نصّب نتانياهو نفسه زعيماً رسمياً منذ اكثر من تسع سنوات متتالية. هذا الامر ساهم في اثارة القلق لدى الاسرائيليين، الذين عبّروا عن ذلك في الانتخابات الاخيرة والتي كانت الاكثر حرجاً لنتانياهو كونه كان على شفير الخسارة امام منافسه بيني غانتز حتى اللحظات الاخيرة من عملية الفرز، ما يعني ان الاسرائيليين بدأوا التشكيك في قدرة نتانياهو على انقاذهم.

والواقع يفيد ان الفوز كان خارجياً بغالبيته، ولم يكن التأثير الداخلي قائماً الا بشكل محدود، وكما سبق وذكرنا فقد "باع" نفسه للاميركيين والروس للبقاء في منصبه، وهذا ما حصل تماماً حيث سيستفيد من اغلاق ملفات ​الفساد​ التي كانت تلاحقه من جهة، وسيستمر في حياته السياسيّة التي كانت مهدّدة بالتوقف. ولكن التأثير الداخلي الاكبر سيكون عبر تقليص الحضور العربي، ما يساهم شيئاً فشيئاً في "تشريع" قضم اسرائيل للاراضي الفلسطينيّة والعربيّة الاخرى، ووضع القضايا العربيّة في دهاليز النسيان، فيما سترتفع اسهم تحويل اسرائيل الى دولة يهوديّة بالقول والفعل.

ولكن نتانياهو لن يكون مرتاحاً كما كان يتوقع، ففوزه وبقائه في منصبه لا يعنيان انه سيتمكن من اخفاء الشرخ الحاصل على الصعيد الاسرائيلي الداخلي، فقد تبيّن حتماً ان ما لا يقل عن نصف المجتمع الاسرائيلي غير موافق عى سياسته، وان الشرخ سيزداد ولن ينقص، عندها سيعوّل رئيس الوزراء العتيد على الدعم الخارجي له وفق الاسلوب الذي يراه الخارج مناسباً، خصوصاً اذا ما ازدادت المشاكل الاقتصاديّة التي تلقي بثقلها على الاسرائيليين وتكاد تشكل احدى الركائز الاساسية للسياسيين للوصول الى المناصب عبر الوعود بتحسين هذه الاوضاع.

اما في ما خص العوامل الخارجية وتأثيرها بنتائح الانتخابات الاسرائيلية، فالوضع اكثر حرجاً لنتايناهو لان عليه تسديد اثمان كبيرة ل​واشنطن​ و​موسكو​ على حد سواء، ولن يكون بمقدوره التهرب منها، وقد يكون، وللمرة الاولى، ملزماً ان ينصاع لرغبة قد لا تصب كلياً في مصلحة اسرائيل. ومن المؤكد ان فوز الرجل سيدفع السلام بعيداً عن المنطقة، فالرهان الحالي قائم على النظرة الاميركية التي ارست قواعد جديدة اقلّه الى ان تنتهي ولاية الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ (في حال لم يفز بولاية جديدة)، ف​الهدايا​ المجانيّة المعطاة لاسرائيل اميركياً سينتهي مفعول مجانيتها، وسيأتي وقت تسديد الحساب عبر الدعم غير المشروط والمطلق لترامب في الانتخابات الاميركيّة المقبلة، فيما سيكون نتانياهو اكثر المرتاحين في حال عدم التجديد لترامب في منصبه، لانّه سيكون في حلّ من كل الديون الملقاة على عاتقه. وقد تكون الطلبات الروسيّة اقل حرجاً له واكثر قدرة له على تلبيتها لان موسكو تفضل ابقاء الخطوط مفتوحة مع الجميع وعدم قطعها مع احد.

باحتصار، لن يكون نتانياهو مرتاحاً ان في الداخل او في الخارج، ولن يعني فوزه انه سيكون حراً من الالتزامات، ولكن في المقابل، لن تكون المنطقة ايضاً مرتاحة ولن يكون السلام مخيّماً في ربوع ​الشرق الاوسط​، دون ان يعني ذلك بالضرورة ازدياد فرص الحرب، بل ابقاء الستاتيكو الحالي على ما هو عليه لاطول فترة ممكنة.