في الطائرة التي اقلته من ​اليونان​ الى ​بيروت​، تلبية لدعوة الرئيس العماد ​ميشال عون​، قرأ رئيس جمهورية اليونان بروكوبيوس بافلوبولوس Prokopios Pavlopoulos، ما صرح به رئيس الحكومة ال​لبنان​ية ​سعد الحريري​ من ان قرارات صعبة ستُتخذ لتحاشي ان يحصل في لبنان ما حصل في اليونان.

***

يا للمفارقة! ورب صدفة خير من ميعاد. وبدلًا من ان نذهب الى اليونان للتعرف الى ما جرى فيها. ها هي اليونان عندنا. بشخص رئيسها، فنتعرف الى ما جرى فيها والى كيف خرجت من أزمتها.

***

هناك أوجه تشابه كثيرة بين لبنان وبين اليونان:

ففي اليونان، وقبل انهيارها كان هناك ​الفساد​ السياسي والقضائي وعدم الشفافية في المبادلات المالية والتجارية والاستثمارية العامة والخاصة، بحيث تشابك العامل السياسي بالعامل الاقتصادي، وطوّع كبار ​رجال الأعمال​ الطبقة السياسية الحاكمة في خدمة مصالحهم المالية.

كما ان هناك سوء إدارة موازنات الدولة والفساد المتعدد الأبعاد، من رشوة وتهرب ضريبي، وعمولات غير مشروعة، وارتفاع عدد الموظفين في ​القطاع العام​، وانخفاض الانتاجية وأزمة النظام التقاعدي، وزيادة عدد المتقاعدين، بنسبة بلغت 27.34% من أصل عدد السكان.

***

وقعت الأزمة فهبّ ​الاتحاد الأوروبي​، واليونان عضو في ​الاتحاد الاوروبي​، لنجدتها، ولكن كيف؟ (وهنا كل القصة التي يجب على المسؤولين اللبنانيين ان يعرفوها ويفهموها) أرسل الاتحاد الاوروبي مدققي حسابات راجعوا كل حسابات اليونان من ٢٠٠٦ الى ٢٠١٦ وأجبرها على مصادرة كل أموال وأملاك المتهربين من دفع ​الضرائب​ كما أجبرها على القيام بإصلاحات وإلا فإن مصيرها سيكون الطرد من الاتحاد الاوروبي.

***

الاتحاد الاوروبي دفع ديون اليونان تحت شروط قاسية ما زالت مطبقة عليها، وكل سنة هناك جردة حساب من مدققي الحسابات الذين يوفدهم الاتحاد الاوروبي.

فيا سادة، ويا زعماء، نحن كاليونان في تشخيص المشكلة، ولكن هل نحن مثل اليونان لجهة الخضوع لشروط الحل؟

لا اتحاد أوروبياً سيأتي ليخلصنا من ديوننا. ولكن مَن يجرؤ على اتخاذ قرار مصادرة اموال المتهربين من دفع الضرائب؟

هل نقبل بمدققي حسابات دوليين كما حصل في اليونان؟

ان "التجربة اليونانية" ليست عنوان فيلم سينمائي بل هي اختبار حقيقي حبذا لو ان المسؤولين اللبنانيين يتعظون منها.

***

الى لبنان دُرْ، فماذا سنفعل لتفادي التجربة اليونانية؟

وزير المال ​علي حسن خليل​ وضع خارطة الطريق، ومن أبرز بنودها:

البدء بمعالجة عجز ​الكهرباء​ بواقع ملياري ​دولار​ سنوياً، أي تخفيض متدرّج.

وقف التوظيف.

التطويع في ​الاجهزة الامنية​ والعسكرية، وهو أمر يتطلب وضع نص يقيد هذا الامر لأنه من غير الممكن الاستمرار على هذا النحو.

التوجّه نحو تخفيض رواتب الرؤساء والوزراء.

معالجة مسألة الاشخاص الذين يتقاضون أكثر من راتب من الدولة وهذا أمر لا يجوز ان يبقى، لأنه مخالف للقانون، اضافة الى انّ هناك رواتب في بعض القطاعات بين 10 و20 و30 و50 مليون ليرة شهرياً تضاف اليها امتيازات تفوق هذه الارقام بكثير.

***

تريدون تفادي "اليوننة"، تفضلوا، هذه هي بعض الخيارات، ولكن تذكروا ان الاجراءات في اليونان لم تطل الشعب بل المسؤولين والسياسيين. فلا تطبقوا الاجراءات اليونانية بالمقلوب.

وعلى الله وحده الإتكال.