يُشكّل الملف الفلسطيني "بازاراً" بين القوى الإسرائيلية في إطار تشكيل الحكومة، ليس التزاماً بإقرار الحقوق والقرارات الدولية، بل من يتبارى أكثر بإغماد خنجره، طالما تتوافق هذه الأحزاب على القومية اليهودية للكيان.

ومجدداً عاد مصير قطاع غزة ليُطرح على مشرحة تأليف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حكومته الخامسة، والذي سيكون مادة دسمة لابتزاز حلفائه في ائتلاف اليمين، الذي نال 65 مقعداً من أصل 120 في انتخابات "الكنيست" الـ21.

ويتصدر هذا المشهد خلاف نتنياهو ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" وزير جيش الاحتلال السابق أفيغدور ليبرمان، الذي كان قد تقدّم باستقالته من الحكومة (14 تشرين الثاني 2018)، احتجاجاً على وقف إطلاق النار وقبول نتنياهو هدنة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، الذي سارع إلى الاحتفاظ بهذه الحقيبة لنفسه مع رئاسة الحكومة.

وفي هذه الانتخابات، فاز "إسرائيل بيتنا" بـ5 مقاعد من المحسوبة على اليمين الذي يتبقى معه 60 مقعداً، وهو ما يُصعّب مهمة نتنياهو بتشكيل الحكومة، إذا حجبت عنه هذه الأصوات، وبالتالي وبعد انتهاء المهلة القانونية (42 يوماً)، سيكون رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، مُلزماً تكليف رئيس حزب "أزرق أبيض" الجنرال المتقاعد بيني غانتس تشكيل الحكومة، وإذا لم يتمكن خلال (28 يوماً)، يتم إعادة اجراء الانتخابات العامة مجدداً.

وفيما أدار نتنياهو محركات التأليف، دون انتظار مشاوراته الرسمية مع الأحزاب، أدار ليبرمان له ظهره، وأغلق هاتفه وغادر، وهو متيقن أن الفرصة السانحة للانتقام من خصمه اللدود قد حانت، وأنه سيبحث عنه لعقد صفقة واسترضائه بحقيبة وازنة، ليضمن بنتيجتها ثقة "الكنيست"، والتي تبقى سيفاً مصلتاً يُهدّد رقبته إذا أراد الاستمرار في ولاية كاملة للسنوات الأربع المقبلة!

وستكون نقطة الخلاف بين نتنياهو وليبرمان، ذاتها، وهي التعامل مع ملف غزة، حيث يُطالب ليبرمان بالحسم ويرفض التهدئة، التي تُعتبر بالنسبة لنتنياهو استراتيجية، ويجري مفاوضات مع حركة "حماس" وعدد من الفصائل في القطاع، من أجل التهدئة مقابل التهدئة، على اعتبار أن الإبقاء على سيطرة "حماس" هناك يُكرس الانقسام الفلسطيني، وهو ما يتذرع به لعدم الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية وتنفيذها، ويفسح المجال أمامه للاستمرار بغيه تنفيذ المخطط الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية، فضلاً عن إصرار ليبرمان على تنفيذ اعدام منفذي العمليات الفدائية.

لكن نتنياهو، المشهود له "خبثه" واستخدامه أساليب الاحتيال والصفقات، الذي يواجه المحاكمة، لا يستبعد أن يعقد صفقة مع ليبرمان، حتى لو اضطر إلى الاستعانة بصديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يمون على ليبرمان، لضمان نيل الحكومة ثقة "الكنيست"، لأنه يُدرك تماماً أن بديل ذلك سيكون مواجهة ملفات دعاوى الفساد والرشاوى الجاهزة، بحيث أن أولى الخطوات التي يجب عليه القيام بها إقرار قانون في "الكنيست" يمنع محاكمة رؤساء الوزراء.

ويلتقي ليبرمان مع حزب "أزرق أبيض" برئاسة غانتس (35 مقعداً) بشأن حسم الوضع في غزة، لكنه يعي تماماً بأنه لو أيده ستتوقف الأصوات على (50) ولن يتمكن غانتس من تشكيل الحكومة.

في المقابل، فإن ابتزاز نتنياهو لا يتوقف على ليبرمان، فأحزاب اليمين المتطرّف، خاصة "الحريديم" ستطالب بمناصب حسّاسة، ولن يكون بمقدوره تجاوز رأيها، لأن سن قانون "تجنيد الحريديين" أسقط حكومته السابقة.

ولا يستبعد أن يقترح رئيس الكيان الإسرائيلي في استشاراته، التي تنطلق بعد غد (الاثنين) على نتنياهو تشكيل حكومة وحدة بينه وبين حزب "أزرق أبيض"، نظراً إلى التحديات التي تواجه الكيان الإسرائيلي!

النتائج النهائية

من جهتها، أعلنت "اللجنة المركزية للانتخابات" النتائج النهائية لتوزيع المقاعد الـ120 لـ"الكنيست"، فأظهرت حصول "الليكود" على 36 مقعداً و"أزرق أبيض" (كاحول لافان) على 35 مقعداً، والنتائج النهائية - غير رسمية - حيث سيتم اعلانها بعد تقديمها لرئيس كيان الاحتلال، الأربعاء في 17 الجاري.

وبحسب البيان الصادر عن اللجنة، فإن عدد أصحاب حق الاقتراع في "الكنيست" الـ21، بلغ 6.335.387، وعدد الذين مارسوا حق الاقتراع هو 4.335.320، فيما وصل عدد الأصوات اللاغية أو المغلفات الفارغة إلى 30.756 صوتاً، والأصوات الصحيحة إلى 4.304.564 صوتاً.

وفي ما يلي النتائج النهائية:

- الليكود: 1.138.772 صوتاً، 36 مقعداً.

- "أزرق أبيض" (كاحول لافان): 1.123.929 صوتاً، 35 مقعداً.

- شاس: 257.869 صوتاً، 8 مقاعد.

- يهدوت هتوراه: 248.490 صوتاً، 7 مقاعد.

- العمل: 191.323 صوتاً، 6 مقاعد.

- الجبهة والتغيير: 193.267 صوتاً، 6 مقاعد.

- يسرائيل بيتينو: 172.933 صوتاً، 5 مقاعد.

- اتحاد أحزاب اليمين: 159.303 صوتاً، 5 مقاعد.

- كولانو: 152.568 صوتاً، 4 مقاعد.

- ميرتس: 156.217 صوتاً، 4 مقاعد.

- تحالف الموحدة والتجمع: 143.844 صوتاً، 4 مقاعد.

إلى ذلك، سجلت الجمعة الأولى بعد فوز نتنياهو بالانتخابات، استشهاد الفتى ميسرة موسى أبو شلوف (15 عاماً) وجرح 66 آخرين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، الذي أطلق الرصاص باتجاههم خلال مشاركتهم في فعاليات الجمعة الـ54 لمسيرات العودة وكسر الحصار شرقي قطاع غزة، والتي حملت عنوان "جمعة معاً لمواجهة التطبيع".

في غضون ذلك، حث الرئيس الفلسطيني محمود عباس "جميع من في مشارق الأرض ومغاربها إلى شد الرحال إلى القدس، وشراء ساعة رباط فيها وفي أكنافها"، مشدداً على أن "القدس لن تكون لوحدها".

جاء ذلك في خطاب متلفز ألقاه خلال إطلاق فعاليات "القدس عاصمة الثقافة الإسلامية 2019"، مساء أمس (الجمعة) في أريحا، ما يُؤكّد التمسك بها عاصمة للدولة الفلسطينية، مهما قرّر الاحتلال مدعوماً بانحياز تام من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لرفض الفلسطينيين شطب قضيتهم بأيديهم، لأن التوقيع على الحل العادل هو بيد الشرعية الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس.