جيِّد ان تدخل "ثقافة التقشف" إلى قاعة ​مجلس الوزراء​، وجيِّد أن يُصبح المواطن يسمع، بحسب ما يُنقَل من داخل القاعة، ان هذا الوزير طرح بندًا تقشفيًا وأن ذاك الوزير رفض هذا البند لأنه يرتِّب أموالًا على الخزينة.

سنحاول ان نكون متفائلين وإيجابيين إلى أبعد الحدود، وأن نقول: إن هذا المسار يجب الا يكون موسميًا أو "على القطعة" أو "غب الطلب"، بل يجب ان يبقى ويستمر طالما أن هناك ديونًا على ​لبنان​ وأن هناك احتمالًا ولو واحد في المئة ان يتحول لبنان إلى "يونان ثانية".

***

ما حصل في جلسة مجلس الوزراء أول من أمس، يدل على أن "ثقافة التقشف" قد انطلقت وان لا عودة إلى الوراء في شأنها، والمتقدِّم في هذا المجال وزير الاتصالات ​محمد شقير​ ابن البيت العريق والقادم الى الوزارة من عائلة ناجحة بمؤسستها "باتشي" وكما يقال بالعامية "إبن عائلة شبعانة عينه" هذا الوزير الصديق الصادق هو الذي طرح مسألة الخطوط الخليوية المستعملة من قبل بعض موظفي الوزارات والتي تذهب فواتيرها الى ​وزارة الاتصالات​.

لماذا يأتي الإعتراض حين يكون الأمر متعلقًا بالموظفين؟

طالما الحديث حديث تقشف، فهل في ​اليونان​ يتحدث "موظفو الدولة" على حساب الخزينة؟

إن الموضوع الأجدى ليس فقط تحويل فواتير الموظفين كلٌّ إلى وزارته، بل إلى سحب هذه الخطوط من ايدي الموظفين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تكشف إحدى الفواتير لأحد الموظفين انها بلغت الـ 1500 ​دولار​ في الشهر، فهل من موجب لكلام هذا الموظف أو ذاك، بأن هذا المبلغ هو لدواعي العمل؟ إلا إذا كان لا يداوم "ويدير" العمل من المنزل!!!

ربما لهذا السبب، ولغيره، شدد وزير الخارجية ​جبران باسيل​ على ضرورة وضع خطة شاملة لوقف الهدر في ​قطاع الاتصالات​ والخليوي، وليؤكد ان هناك اجراءات وقرارات يمكن أن تؤمن وفراً كبيراً.

هذه الخطة موجودة لدى الوزير محمد شقير، وهو عكف على وضعها وبلورتها منذ اليوم الأول لتشكيل ​الحكومة​، وبالنسبة الى اقتراحه إلغاء الستين دقيقة المجانية من الخطوط اللاحقة الدفع فإنه "لم ينطلق من الهواء ومن الفراغ ومن لا شيء"، بل من معطيات علمية دقيقة، وهذه هي المعطيات:

يوجد اليوم حوالي 4 ملايين و400 الف خط خليوي في الخدمة وفي التداول، منها 600 ألف خط ثابت معظمها لأشخاص ميسورين وأحوالهم جيدة، من بين الخطوط الثابتة الـ600 الف هذه، يوجد فقط 3 في المئة أو 4 في المئة أصحاب دخل متوسط، فيما الغالبية الساحقة هم من الميسورين.

هذا يعني ان إلغاء الستين دقيقة المجانية لن تطال في معظمها ذوي الدخل المحدود، ولهذا قال الوزير شقير: "نسأل مَن انتقد هذه الخطوة، هل الدعم يوجه لهذه الفئة أو لمن يحتاج فعلا الدعم من أصحاب الدخل المحدود والفقراء و​طلاب المدارس​ و​الجامعات​، والذين يستخدمون خطوطاً مسبقة الدفع وعددها حوالي 3 ملايين و800 ألف"؟.

هذا الكلام من وزير الاتصالات الجريء لا يستدعي نقاشًا بل يستدعي بدء تطبيق، فالوفر يبدأ بسنت وبدولار وصولًا إلى مليار دولار، ومَن قال إن ثلاثين مليون دولار وفق خطة التقشف التي يقترحها الوزير شقير، لا تحقق وفرًا؟

***

وما ينسحب على الاتصالات يجب ان ينطبق على ​الموازنة​ ككل: رئيس الحكومة ووزير المالية يضعان اللمسات الأخيرة على الموازنة، وهي وصلت إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، ويُفترض ان توضع على جدول أعمال مجلس الوزراء في الجلسات القريبة جدًا الآتية.

فهل تصل "ثقافة التقشف" إلى الموازنة ككل؟

التقشف لا عودة عنه، والبحث يدور حول حجم التخفيضات التي تتناول البنود والفصول في الموازنة ومن أبرزها لائحة طويلة من حوالى 200 بند ومنها التخفيضات التي تتناول أرقام مساعدات الدولة للجمعيات الخيرية، ولعدد من القطاعات والمؤسسات وبينها بعض النقابات، وتخفيضات تطال رواتب بالملايين لكبار الموظفين في كثير من المؤسسات العامة.

***

هل هذه الإجراءات، التي ما زالت نظرية قبل ان تُفعّل، تُبعد لبنان عما بات يُعرف بـ "الخيار اليوناني"؟