اعتبر النائب ​أسامة سعد​ أن ظاهرة ​الفساد​ المستشرية في ​لبنان​ ينطبق عليها المثل الصيني القائل: "السمكة تفسد ابتداءً من رأسها"، لافتا الى أن الفساد في لبنان ليس مجرد ​حالات​ شاذة يسهل ​القضاء​ عليها، بل هو ظاهرة عامّة وثيقة الصلة بطببيعة النظام القائم على ركيزتين أساسيتين: ​المحاصصة​ ​الطائف​ية، والزبائنية السياسية، كما ان للبنانيين يعرفون جيداً أن هناك زعامات سياسية قد راكمت الثروات من خلال استغلال مواقعها في الدولة عبر الصفقات والتلزيمات والسمسرات، كما يعرفون أنه يستحيل توجيه أيّ تهمة بالفساد إلى هؤلاء، وإلا استنفرت طوائفهم ومرجعيّاتهم الدينيّة، واعتبرت التهمة اعتداء على الطائفة المعنيّة بكاملها، أضف الى ذلك ان الزعامات السياسية أيضا تحمي الموالين لها وتجاوزاتهم وفسادهم وتمنع أي محاسبة لهم.

وأشار سعد في حديث لـ"النشرة" الى أنه لا يخفى أنّ السلطة السياسيّة في لبنان تمارس كل أنواع التدخل في القضاء والإدارة، وفي كل المؤسسات والأجهزة الرسمية المدنية والعسكرية، وتستغلها لخدمة مصالحها الخاصة، مشددا على انه من دون بناء ​الدولة المدنية​ الديمقراطية الحديثة، ومن دون ​الاستقلال​ الحقيقي للقضاء، ومن دون قانون عصري للأحزاب، ومن دون ​قانون انتخاب​ خارج القيد الطائفي قائم على ​النسبية​ الكاملة والدائرة الواحدة، من دون كل هذه الإصلاحات السياسية لا مجال لإصلاح أوضاع الدولة أو محاربة الزبائنية والفساد.

الاوضاع الاجتماعية والانهيار؟!

ونبّه سعد من وصول الأوضاع ​الاقتصاد​ية والمالية في لبنان إلى حافة الانهيار، مشيرا الى ان الأوضاع الاجتماعية وصلت إلى حافة الانفجار نتيجة تردي الأوضاع المعيشيّة والارتفاع الكبير في معدلات ​البطالة​. وقال: "العجز الكبير في موازنة الدولة، وفي ميزان المدفوعات، هما من التجليات البارزة للمأزق الراهن. والسؤال الأساسي المطروح اليوم يتلخص في تحديد الفئات الاجتماعية التي سيجري تحميلها تبعات المأزق ونتائج الانهيار الداهم"؟.

وأضاف: "من الواضح تماماً أن ​الحكومة​، ومعها ​الكتل النيابية​ الرئيسية، قد اتخذت القرار بتحميل الفئات الشعبيّة وذوي الدخل المحدود والمتوسط نتائج الأزمة الحاليّة، وبإعفاء أصحاب ​المصارف​ والريوع المالية والعقارية من تحمّل أي كلفة. وهو ما يتجلى في التصريحات والتسريبات الصادرة عن المسؤولين، فضلا عن التوصيات الأساسية لدراسة" ماكينزي" ولمؤتمر "سيدر".

واعتبر أن الأموال الموعودة في المؤتمر المذكور هي بمعظمها كقروض جديدة سوف تؤدي إلى زيادة حجم ​الدين العام​، وبالتالي زيادة الكلفة السنوية لخدمة هذا الدين، إلا أن الحكومة تحاول بواسطة هذه الأموال شراء الوقت وتأجيل موعد الانهيار، لافتا الى انّ هذه المحاولة تشكّل استمراراً للسياسات الاقتصادية والمالية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ الطائف حتى اليوم، وهي التي أوصلت لبنان إلى المأزق الحالي.

لتغيير السياسات الاقتصادية والمالية

ولفت النائب سعد الى ان ​الحراك الشعبي​ للإنقاذ الذي بدأ منذ شهر كانون الأول الماضي طرح برنامجاً بديلاً للخروج من الأزمة وإنقاذ البلد من خطر الانهيار، ينطلق من ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية والمالية المعتمدة التي أوصلت لبنان إلى المأزق الراهن وخطر الانهيار، ويدعو إلى بناء الاقتصاد المنتج بديلاً عن الاقتصاد الريعي السائد، وتقديم كل أشكال الرعاية والدعم لقطاعات ​الصناعة​ و​الزراعة​ والحرف و​السياحة​ والإنتاج المعرفي، وذلك بهدف الحدّ من البطالة ومن العجز في ميزان المدفوعات. واردف: "كما يدعو البرنامج إلى معالجة العجز في الماليّة العامة من خلال تخفيض الفوائد على الدين العام، وإلزام أصحاب المصارف والريوع الذين راكموا الثروات الطائلة من المال العام بدفع ما يتوجب عليهم للخروج من المأزق". ورأى ان السؤال حول من سيتحمّل نتائج الأزمة ويدفع تكلفتها هو موضوع الصراع الدائر اليوم، والذي سيتصاعد خلال المرحلة القادمة، "ونحن في الحراك الشعبي نخوض هذا الصراع في الشارع وفي كل مكان، وسنواصل خوضه إلى جانب كل ذوي الدخل المحدود والمتوسط من ​العمال​ والحرفيين و​المزارعين​ والموظفين والمعلّمين وأصحاب ​المهن الحرة​، فضلاً عن ​الطلاب​ والعاطلين عن العمل وسائر المتضررين من الأزمة ونتائجها".

وردًّا على سؤال، اعتبر انه من البديهي ولخفض العجز في ميزانية الدولة لا بد من زيادة المداخيل وتخفيض النفقات، كما يجب تشجيع قطاعات الإنتاج للسلع والخدمات لزيادة حصة الإنتاج الوطني في الاستهلاك المحلي والسعي لزيادة حجم التصدير الذي تراجع بدرجة كبيرة، وذلك بهدف خفض العجز في ميزان المدفوعات، وتحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة حالياً عن الدوران، وتخفيض معدلات البطالة المتفاقمة، ولا سيما وسط جيل ​الشباب​. وشدّد على وجوب أن تلزم الدولة المصارف بإقراضها بفائدة متدنيّة، أو بفائدة صفر لبضع سنوات، بخاصة وأن ​القطاع المصرفي​ هو من القطاعات القليلة التي حقّقت خلال المرحلة السابقة أرباحاً هائلة بواسطة الفوائد المرتفعة على سندات الخزينة. وأضاف: "ينبغي على المصارف وكبار المودعين أن يتنازلوا عن جزء من أرباحهم كمساهمة من قبلهم في تخفيض عجز ​الموازنة​".

ودعا سعد الى سدّ منافذ الهدر والفساد المعروفة؛ من المساعدات الممنوحة الى الجمعيّات الوهميّة، إلى الإيجارات الضخمة لمقار مؤسسات الدولة، إلى المصاريف الكبيرة لسفر المسؤولين، مشددا على أهمية تعديل ​السياسة​ الضريبيّة باتّجاه فرض الضريبة التصاعديّة على الأرباح والريوع والثروات أسوةً بما هو معمول به في دول ​العالم​، ومحاربة التهرّب الضريبي، واستعادة أموال الدولة وأملاكها المنهوبة أو المؤجرة بمبالغ زهيدة، فضلاً عن ضبط الواردات من ​الجمارك​ والرسوم العقارية وسواها.

المراهنة الخاسرة...

وتطرق للتطورات الأخيرة في المنطقة وبالتحديد تلك المتعلقة ب​الجولان​، فاعتبر ان ما أخذ بالقوّة لا يسترد بغير القوّة"، مشدّدا على أن استكمال تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلّة ينبغي له أن يكون على رأس أولويّات الدولة اللبنانيّة التي يجب عليها ايضا تجنيد كل الطاقات السياسية والعسكرية الرسمية والشعبية لإنجاز مهمة استكمال التحرير.

واعتبر أن اعتراف (رئيس الولايات المتّحدة دونالد) ترامب بضم الجولان ل​اسرائيل​ لا يلغي حق ​سوريا​ باستعادته، ولا حق لبنان باستعادة أراضيه المحتلّة. وتابع: "يتوجب على لبنان، كما على سوريا، استنفار كل الطاقات لتحرير الأرض. كما يتوجب اتخاذ موقف واضح من ​الولايات المتحدة​ وتبنيها للسياسة التوسعية الصهيونية، ورأى أنّ مراهنة البعض في لبنان على التفاهم مع الإدارة الأميركيّة في ما يتعلق بالأراضي اللبنانية المحتلّة، أم بالحدود البريّة أو البحريّة، فلا تعدو كونها مراهنة خاسرة، ولن يكون مصيرها أفضل من المراهنات السابقة على تطبيق القرار 425 بواسطة المساعي الدبلوماسيّة.