صدر منذ ايام التحذير الاميركي الذي تطلقه ​وزارة الخارجية​ دورياً والذي تحذر فيه الاميركيين من السفر الى بعض الدول التي تعتبرها ​الادارة الاميركية​ الحالية، "خطرة". 35 دولة تم ذكر اسمها في قائمة الدول التي تشكل خطراً على حياة الاميركيين، ومنها ​لبنان​. يبدو واضحاً من التحذير ان الاهداف الموضوعة تتبع غايات سياسية محض، ففي حين تظهر اسماء دول يشوبها فعلاً خطر امني محدق على حياة الجميع وليس فقط الاميركيين، على غرار ​اليمن​ و​ليبيا​ و​العراق​ و​السودان​...، كانت هناك اسماء لدول لا يعتبر فيها الامن مهدداً بشكل فاضح، ما عدا الجرائم العادية التي تشهدها كل دولة ومنها ​الولايات المتحدة​ الاميركية بالتحديد، ومن هذه الدول لبنان و​روسيا​ و​تركيا​...

وبعد قراءة سريعة للتحذير، تبيّن انه يلقي ​الضوء​ على احداث قديمة ومخاطر، صحيح انها موجودة دائماً مثل اي بلد آخر، ولكنها لا تدعو الى الخوف واثارة القلق لدى الرعايا الاميركيين المقيمين او المتجهين الى لبنان. ففي التحذير الاميركي عن لبنان مثلاً وجوب تفادي المواطنين الاميركيين التوجه نحو الحدود الجنوبية "التي شهدت اطلاق ​صواريخ​ باتجاه ​اسرائيل​ وآخر حادث حصل في هذا الاطار كان عام 2014"، فباعتراف الخارجية الاميركيّة نفسها ان آخر حادث سجّل كان منذ خمس سنوات، فهل هذا يعني ان المنطقة ملتهبة، او ان الاميركيين لا يثقون ب​الجيش اللبناني​ او قوات "اليونيفيل"، فيما يتغنّى كل مسؤول دولي يزور لبنان بالهدوء السائد على الحدود الجنوبية؟.

مثال آخر على عدم منطقية التحذير لعدم توجه الاميركيين الى لبنان، يكمن في الدعوة الى عدم التوجه الى المناطق الموجودة على الحدود مع ​سوريا​، فيما يذكر التقرير نفسه انه "في العام 2017، شن الجيش اللبناني هجوماً ادى الى طرد عناصر داعش من المنطقة على الحدود اللبنانية-السورية". فإذا كان الجيش قد نجح في طرد "داعش" منذ سنتين، فكيف يكمن الخطر هناك بشكل فوري وجدي؟.

امور اخرى ذكرها التحذير كانت مشتركة بين لبنان وروسيا مثلاً، كإمكان حصول ​حالات​ اختطاف او اعتداءات ارهابية... هذا الامر يظهر بما لا يقبل الشك ان التحذير انما يرتبط بدوافع سياسية، لان الواقع يشير الى وجود دول كثيرة عربية واوروبية وفي القارة الاميركية نفسها حليفة بشكل كامل للولايات المتحدة، لا تنعم بحال الاستقرار الامني الذي يخيّم على لبنان وروسيا منذ سنوات.

والاهم من ذلك هو ان التحذير لا يأتي على ذكر اسرائيل، رغم كل التوتر والاشتباكات الدائرة مع الفلسطينيين بشكل دائم، فبالنسبة الى الادارة الاميركية الحالية، ليس هناك اي مخاطر عادية او استثنائية بالسفر الى اسرائيل، فهل هناك من عاقل يمكنه ان يفهم هذا الامر؟.

كيف يمكن للخارجية الاميركية ان تحذّر من زيارة لبنان، ووزير خارجيتها ​مايك بومبيو​ حلّ فيه منذ فترة قصيرة وحمل معه كلاماً قاسياً بحق "​حزب الله​" فيما لم يأتِ على ذكر اي خطر امني يسود لبنان، لا بل اشاد بدور الجيش و​القوى الامنية​ اللبنانية. وكيف يمكن للادارة الاميركية الحالية ان تصدر مثل هذا التحذير، فيما صدر كلام عن مسؤولين اميركيين من سيناتورات ونواب معنيين، يشيدون خلال استقبالهم وفداً نيابياً لبنانياً في ​واشنطن​، بالامن في لبنان وبدور الجيش والقوى الامنية؟.

تناسى الاميركيون ان الامن العسكري في لبنان مرتبط بهم وبخططهم مع الدول الكبرى، وان اي حرب قد يشهدها لبنان او غيره من الدول في المنطقة او في اي منطقة في ​العالم​، انما تحصل بضوء اخضر منهم، وبالتالي فإن لبنان يتساوى من ناحية الخطورة في هذا المجال، مع باقي الدول غير الكبرى.

اما الامن العادي فقد اثبت لبنان انه قادر بأجهزته، على تحمّل مسؤولياته ومنع مخاطره، بدليل الاستقرار الامين الذي ينعم به منذ سنوات عديدة رغم اشتعال المنطقة من حوله، ورغم كل المصاعب التي واجهها.

ان البصمات السياسية واضحة في تحذير ​الخارجية الاميركية​، ومن له اذنان سامعتان فليسمع.