حين تتحدث الأرقام يصمت الكلام، والرقم لا يحتمل وجهة نظر بل إن خلاصته

"منه وفيه".

عن أي رقم نتحدث؟ بكل بساطة عن أرقام ​الانتخابات الفرعية​ في ​طرابلس​، فماذا فيها؟

فوز المرشحة ​ديما جمالي​ بـ19387 صوتا.

نسبة الاقتراع بلغت 12.55 في المئة.

"عدد الناخبين بلغ 241534 ناخبا، وعدد المقترعين 33963، والاوراق الملغاة 2648، والاوراق البيضاء 1951، والاوراق المتبقية 28364".

ما يهم المواطن اللبناني من هذه الارقام انها تدل على الفوز، فحين لا يشارك في الإنتخابات أكثر من 12 في المئة من عدد الناخبين فهذا يعني أن "كل" طرابلس لم تعد مؤمنة بالطبقة السياسية القائمة والحاكمة.

لماذا؟ لأنهم يسمعون وعودًا ولا يرون نتائج.

وما ينطبق على طرابلس ينطبق على كل لبنان، فلو أُعيدت إنتخابات أيار 2018، هل كان احدٌ يعتقد أن نسبة المشاركة ستكون أكثر من تلك التي شهدتها طرابلس في الإنتخابات الفرعية؟

بالتأكيد لا. لماذا؟ لأن اللبناني بات يعرف ان المسؤولين "يبيعونه حكي" ويسلِّفونه وعودًا إلى حين مرور أو تمرير الإستحقاق، أي أستحقاق، وبعد ذلك يعودون إلى المربع الأول من عدم الإنجاز.

***

ويسأل اللبناني بكثير من الأسى والأسف:

لماذا وصلنا إلى هنا؟

ما من عاقل إلا ويعرف السبب، أما لماذا "يصمتون عن الكلام المباح" فلكلٍّ اسبابه واعتباراته، ولكن لا يجوز السكوت، ومن هنا نبدأ:

وصلنا إلى هنا لأن كثيرين يعتمدون نهج الصمت بدل الكلام، والسلطة التنفيذية حين تجد ان الرأي العام والسياسيين يصمتون، فإنها تتمادى في أخطائها.

وصلنا إلى هنا لأن لا فصل حقيقيًا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فحين تتمادى الحكومة في قراراتها من دون حسيب أو رقيب، وحين لا تجد نوابًا يحاسبونها، فإنها ترتكب المخالفات الواحدة تلو الأخرى.

وصلنا إلى هنا لأن الشعب لا يقسو أحيانًا كثيرة على حكامه: ينتخب النائب فيكتشف لاحقًا انه ليس على قدر المسؤولية والأمانة التي حملها، تنتهي ولاية النائب ويترشح مجددًا، فيعود المواطن وينتخبه. في هذه الحال، أين المحاسبة؟

***

وصلنا إلى هنا لأن آلية محاسبة الناس للمسؤولين مفقودة: فحين يُدرِك الرأي العام ان الصفقات والسمسرات والتنفيعات قائمة في ​النفايات​ و​المحارق​ والتلزيمات، ولا يتحرك، فإن الذين يرتكبون المعاصي يتمادون في معاصيهم.

وصلنا إلى هنا لأن الحكومات المتعاقبة استمرت تصرف على ​القاعدة​ الاثنتي عشرية من دون حسيب أو رقيب فانتفخ الصرف بشكل مضاعف، وبعدما كنا نتحدث عن موازنات بعشرة آلاف مليار ليرة، أصبحنا نتحدث عن موازنات بعشرين ألف مليار ليرة.

***

ليس فقط وصلنا إلى هنا بل يُخشى ان نبقى حيث نحن من دون أي تقدم، فمعظم الإجراءات التي يجري الحديث عنها، هي حتى إشعار آخر على قاعدة "إسمع تفرح جرِّب تحزن". والأخطر من كل ذلك انه يجري الحديث عن إجراءات ومقترحات لكنها تُلقى على شكل "بالونات أختبار"، فإذا لقيت اصداء إيجابية، يتم السير فيها، وإذا لقيت اجواء سلبية يجري التراجع عنها لكن بعد ان تكون قد أسهمت في إحباط الناس.

***

لهذه الأسباب مجتمعةً... وصلنا إلى هنا.... والأرجح سنبقى هنا.