اشار ​الرئيس ميشال عون​ الى ان "العدل أساس الملك"، وإذا كان العدل الركيزة الأساس للحكم فأنتم أيها المحامون أحد أهم مداميك العدل وجناح من أجنحته، تجدّون وتتعبون من أجل إحقاقه، ولعل تعبكم الأكبر هو في إرساء التوازن بين حقوق موكلكم وبين تحقيق العدالة.

ولفت الرئيس عون خلال الاحتفال باليوبيل المئوي ل​نقابة المحامين​ في ​قصر العدل​ في ​بيروت​، الى ان حق الدفاع المقدس يدخل ضمن مفهوم ضمانات المتقاضي المنصوص عنها في المادة 20 من الدستور ال​لبنان​ي، وهو يتساوى مع ضمانة القاضي كي يستقيم ميزان العدالة. واوضح انه "قليلة هي المهن التي تفرض قسم يمين قبل المباشرة بها؛ في الجندية تُقسم يمين الذود عن الوطن، في الطب تُقسم يمين صون حياة ​الانسان​ والعناية بالصديق كما بالعدو، أما في المحاماة فأنتم تقسمون يمين المحافظة على سر المهنة والعمل بأمانة والتقيد بالقوانين والأنظمة والالتزام بالأخلاق". واكد ان "القسم ليس مجرد كلمات تـتـلا وتُنسى في ما بعد، بل هو حارس الضمير وهو التزام يرافق صاحبه على الدوام ويرسم طريقه، وقسمكم الذي تؤدونه يرسم لكم الطريق الصحيح للنجاح المهني وأيضاً الأخلاقي، وهو حصانتكم ولا أعني الحصانة القانونية بل تلك الأخلاقية التي تحمي وتصون من كل أنواع ​الفساد​".

واعتبر ان المحاماة هي أقرب الى الرسالة منها الى المهنة، وهذا ليس بكلام شاعري بل واقعي، لأن السعي الى إظهار الحقيقة وإحقاق العدالة قد يكون مكلفاً، وهو جوهر عملكم. ولفت الى إن سيرة لبنان مع الحقوق طويلة تعود الى القرن الثاني حيث احتضنت بيروت أول وأهم مدرسة للحقوق وأضحت بحق أم الشرائع ونقابتكم التي تأسست عام 1919 يمكن أيضا أن نسميها وبحق، أم النقابات. ولعله من أهم ومضاتها تبنيها الدائم للقضايا الوطنية الكبرى والدفاع عن الحريات العامة.

ولفت الى ان أركان ​القضاء​ ثلاثة من أرباب الحقوق، يكمّلون بعضهم البعض لإجلاء الحقيقة بكل جوانبها، وأعني القاضي والمدّعي العام والمحامي، ولا يكتمل إحقاق الحق بدونهم أو إذا أصاب الخلل أي ركن منهم، واكد إن القضاء هو الحجر الأساس لقيام دولة الحق والقانون، فلا دولة بدون سلطة قضائية مستقلة نظيفة تـنـشـد العدالة والحقيقة، وأعيد التذكير هنا بما قاله ونستون تشرشل إبان الحرب الثانية وعندما كانت لندن تحت قصف الطائرات: "طالما القضاء لم يزل بخير فإن ​بريطانيا​ بألف خير".

واكد الرئيس عون ان تطهير الجسم القضائي كان أولى أولويات حربنا على الفساد، فالقضاء يجب أن يبقى فوق الشبهات، كامرأة قيصر، كالملح الذي لا يجوز أن يفسد. قضاء يتصدى لكافة اشكال الفساد ويقف سداً منيعا بوجهه، وباستقلاله يحرس العدالة ويحميها فيطمئن له المواطنون، إذ كيف يمكننا أن نحتكم الى من لا ثقة لنا به؟ اضاف "القضاء - السلطة الذي نرنو اليه ليس حتما قضاء السلطة السياسية، اي القضاء المستتبع سياسياً والذي يصبح فيه القاضي أسير المرجعيات، في حين ان القضاء يجب ان يكون سلطة دستورية مستقلة بمفهوم المادة 20 من الدستور، تنقي ذاتها بذاتها وفق الاليات المعتمدة قانوناً، من دون تشهير او ابتزاز".

واوضح ان القضاء لن يكون في عهدنا منظومات مرتهنة لأحد بل سلطة تمارس رسالتها بوحي من ضمير القاضي الحر والنزيه والمحايد فتتوافر معه ضمانات المتقاضين كاملة وغير منقوصة، وإيماناً مني بأن القضاء هو ركن من أركان الدولة التي إن فقدت ركنا اصابها الوهن والاندثار، دعوت لمؤتمر يبحث شؤون القضاء في لبنان، ويجري الإعداد له حالياً وسيعقد قريبا في القصر الجمهوري تحت عنوان "من أجل عدالة أفضل"، واشار الى ان الهدف من هذا المؤتمر هو إطلاق حوار وطني صريح بين جميع المكونات المعنيّة بالعدل والعدالة، للإضاءة على مكامن الخلل في الوضع القضائي الحالي وأسبابه وكيفية استنهاض السلطة القضائية المستقلة وفقاً لمفهوم المادة 20 من ​الدستور اللبناني​.

واشار الى ان رسالة المحامي هي أن يدافع أمام القضاء إما عن متقاضٍ بين متقاضين وإما عن متهم بجريمة، وفي كلتا الحالتين تقضي قدسية رسالته أن يدافع عنه بكل الوسائل القانونية والإنسانية ويقدّم كل ما يتوفر لديه من حجج وأدلة لتوضيح الصورة أمام القاضي ليتمكن من الحكم وفقاً للضمير والقانون، واكد ان ضياع العدالة يدمّر الفرد والمجتمعات؛ فالظلم حليف الباطل، ومهما كان ثمن العدل مرتفعاً فإنه يبقى أقل كلفة من الظلم.

اضاف "ختاماً وتقديراً لجهود نقابة المحامين المستمرة منذ مئة عام في ميدان احقاق العدالة، أمنحها وسام الاستحقاق اللبناني المذهب من الدرجة الأولى، كما أمنح النقيب اندريه الشدياق وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط تقديراً لتفانيه في خدمة الوطن والعمل النقابي".