تحرك الشارع مجددا. هذه المرة لاجل الحقوق والتعويضات وحماية ​سلسلة الرتب والرواتب​، فعلى ضوء التقارير المسرّبة التي تحدثت عن نيّة التوجه نحو تخفيضات تطال كل ما ذكرنا أعلاه، تحركت هيئة التنسيق النقابيّة واعلنت الإضراب العام والشامل اليوم كبداية لما قد يشهده ​لبنان​ في الأشهر المقبلة، اضافة الى تحركات قاسية للمتقاعدين العسكريين الذين يشعرون أن البلد الذي خدموه طويلا يفكر في بيعهم قريبا.

قطع المتقاعدون من ​الجيش اللبناني​ الطرقات بالإطارات المشتعلة وتوعّدوا بالمزيد، وهذا أبسط ما قد يقومون به امتعاضا عمّا يُحكى عن تخفيض قيمة رواتبهم 25 بالمئة، ولعل ما قاله أحد العسكريين في حديث لـ"​النشرة​" عن نيته ورفاقه الخروج من الجيش اذا ما نقُصت رواتبهم والتقديمات إليهم، هو أوضح رسالة لمن يفكر بتخفيف عجز ​الموازنة​ عبر وضع يده بجيب المواطن الفقير.

إن التطرق لملفّ حقوق المتقاعدين العسكريين ولمن هم بالخدمة الفعليّة أيضا حرّك النواب "الضباّط" على اختلاف كتلهم، ​جميل السيد​، ​شامل روكز​، ​جان طالوزيان​، ​وهبي قاطيشا​، ​الوليد سكرية​، فتعالوا عن خلافاتهم السياسية واجتمعوا بالمتقاعدين في مكتبة ​المجلس النيابي​، وأبلغوهم بحسب ما علمت "النشرة" انهم سيشكلون جماعة ضغط نيابي على أيّ قرار ينتقص من حقوق العسكر، مشددين على انهم سيكونوا بمقدّمة التحرّكات التي قد تحصل بحال أقرّت الموازنة مثل هذا الإجراء.

وفي هذا السياق يؤكد العميد المتقاعد سامي رميح ان المواجهة مع السلطة مستمرّة ومتدرّجة، فهي لن تتوقّف عند اقفال بعض الطرق، خصوصا وان ​العسكريين المتقاعدين​ لا يريدون إزعاج الناس، بل يريدون حماية مكتسباتهم التي حصّلوها بالعرق والدم.

اذا، إن التحركات التي حصلت أمس هي رسالة للسلطة بأن العسكريين المتقاعدين يستطيعون التحرك بأعداد كبيرة وفي اكثر من منطقة، وبالتالي هم قادرون على إقفال المقار الرسميّة والمنافذ الحدوديّة اللبنانيّة لأيّام. ويشير رماح الى أنّ التصعيد الحقيقي يبدأ باللحظة التي تخرج فيها الموازنة من ​مجلس الوزراء​ باتّجاه اللجان النيابيّة ويكون على متنها بنودا تقتصّ من حقوق العسكريين المتقاعدين أو حتى حقوق العسكريين الموجودين بالخدمة الفعليّة.

يتحدّث رماح عن دعم نيابي لحقوقهم يضم تحالف كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة و​كتلة اللقاء الديمقراطي​، مشيرا الى أنّ الخوف من "امر يُحاك في ليل مظلم"، فما يجري اليوم داخل الغرف المغلقة يختلف عما يخرج عنها في التصريحات، وبالتالي فنحن بانتظار الموازنة وما تحمله من مفاجآت.

من الطبيعي عندما يرى الشاب اللبناني حقوق العسكر مهدورة، وزيادات سلسلة الرتب والرواتب التي حصل عليها العسكر هي الاقلّ بين كل موظفي الدولة، أن يهرب من الالتحاق بهذه المؤسّسة، وفي هذا الإطار يتّهم رماح من يريد حسم مستحقّات المتقاعدين بارتكاب "جريمة أمن قومي"، لأنّه يشجّع ​الشباب​ على عدم الدخول الى الجيش، الأمر الذي يُفقد هذه المؤسسة "شبابها".

كل اللبنانيين يريدون تخفيف العجز، ولكن لماذا تلجأ الدولة الى "جيب المواطن" لتخفيف قيمة العجز الذي وُجد أصلا جرّاء ​سرقة أموال​ الشعب نفسه، بدل اللجوء الى مكافحة التهرّب الضريبي، استعادة الاملاك البحريّة العامّة وتلزيمها مقابل بدلات عادلة، اعتماد الضريبة التصاعديّة على الدخل، ​مكافحة الفساد​ في الإدارات والوزارات وضبط التوظيف والانفاق، وغيرها من الأمور التي تدرّ المال دون إفقار الشعب؟!.