يزداد الإرباك الشعبي في ​لبنان​ جرّاء الحديث عن خطوات حكومية لحسم مالي مرتقب من رواتب الموظفين المدنيين، والعسكريين. لكن لم يتّضح المشهد النهائي حتى الآن، في ظل سعي لعدم حصول خضّة في البلد. لكن ضغوطاً دولية تحت عنوان الإصلاح، وأخرى داخليّة تحت طائلة الإنهيار، تجعل أمر التقشف المالي حقيقة مرتقبة.

وإذا كان الواقع المالي الصعب يفرض إجراءات لبنانية فوريّة تمنع الإنهيار الإقتصادي، الاّ أن التباين المحلي يدور حول القطاعات التي سيطالها التقشف، والنسب المحدّدة. وهو ما يتم طرحه بين ​السراي الحكومي​ و​وزارة المال​ والكتل السياسية والنيابية.

وعلمت "​النشرة​" أن وفدا من ​قيادة الجيش​ طرح مع رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ موضوع الإجراءات التي ستطال ​المؤسسة العسكرية​، فإتخذ قائد الجيش العماد جوزف عون قرار تأليف لجنة من ​القيادة​ للإجتماع مع وزير الماليّة ​علي حسن خليل​ لدراسة الخطوات والمشاريع الممكنة التي لا تؤثر على الجيش. وتحدثت مصادر مطّلعة لـ"النشرة" عن أن طرح إلغاء التعويضات للضبّاط في القوى العسكريّة والامنية هو من ضمن المشاريع المطروحة، والإكتفاء بالراتب التقاعدي، إضافة إلى تخفيض نسب بسيطة من التقديمات الإجتماعية التي لا تؤثر على مهام ووضع الجيش و​القوى الأمنية​.

ورأت المصادر أنّ هناك افكاراً أخرى قابلة للتنفيذ، كتخفيض عدد الضباط في الجيش من ٣٠٠ ضابط الى ١٢٠ أي حاجة المؤسسة العسكرية، وتعديل نظام الترقية من عقيد إلى عميد وفق حاجات الجيش. ويبدو ان قيادة الجيش تميل إلى هذا الطرح، لإعتبارات عدّة، خصوصا أن أكبر جيوش ​العالم​ لا تزيد اعداد ضباطها عن عدد ​الجيش اللبناني​، لا بل تقل احياناً.

أمّا فيما يتعلق بالموظفين، فيبدو ان هناك توجهاً لإعتماد التقشف في رواتب وتقديمات كبار الموظفين و​المدراء العامين​، لعدم الرغبة بأن تطال الإجراءات الفئات المتوسطة أو قليلة الدخل، ويتقدّم بري صفوف المعارضين لأيّ طرح يطال الفئات الشعبيّة، كالأساتذة والموظفين العاديين والعمّال محدودي الدخل. لكن رئيس المجلس لا يتدخّل الآن، ولا يُعلن أي موقف بإنتظار وصول المشاريع الى ​مجلس النواب​، عندها سيكون منحازاً إلى جانب الفئات المتوسطة والفقيرة.

لكن الإجراءات لا تتوقف عند هذا الحد، بل ستطال المصاريف العشوائيّة في الوزارات والإدارات لتخفيض العجز، وفرملة انحدار لبنان نحو الانهيار، في ظل وضع اقليمي وعالمي مالي صعب، وعدم إكتراث الدول الكبرى ولا الخليجية العربية بدعم لبنان هذه المرة. لذا، فإن اللبنانيين مضطرون لتسوية أمورهم لتجنّب خيار وحيد بديل هو إنخفاض سعر صرف الليرة. لكن المطّلعين يؤكدون ان خيار السماح بهزّ وضع العملة اللبنانية امام ​الدولار​ هو امر مستبعد، رغم السيناريو الذي يخشى منه المطّلعون انفسهم: في حال ارادت ​الحكومة​ إجراء تخفيضات ماليّة تطال رواتب الموظفين، فإنّ النقمة الشعبيّة ستزداد عليها إلى حد تنفيذ إحتجاجات قد تؤدّي إلى الفلتان، فتسقط السلطة السياسيّة بسبب إنفجار الناس.

ما يزيد الوضع مأساويّة أن لبنان هو بلد مستورد، ولا يستطيع تأمين ايرادات ماليّة من الانتاج الزراعي والصناعي، ولا الإكتفاء الذاتي كما حال ​تركيا​ و​ايران​، ولم يعد بمقدوره جذب السوّاح كما تفعل تركيا الآن. ما يعني أنّ الخلل يصيب البنية الإقتصاديّة في لبنان. عدا عن ​الفساد​ والهدر في معظم مؤسسات الدولة.