كثر في الآونة الأخيرة الكلام عن إمكانية لجوء الحكومة إلى اتخاذ قرارات «موجعة» أو غير «شعبية» للعبور بالموازنة بالشكل الذي تطالب به الدول التي تعمل على مساعدة لبنان، والتي تربط هذه المساعدات بالقيام باصلاحات، وكون ان المواطن يُشكّل دائماً الحلقة الأضعف، بدأ التلميح إلى إمكانية المس برواتب موظفي ​القطاع العام​ عبر تخفيضها، أو تخفيض التقديمات الاجتماعية وكأن القطاع العام في الدولة هو المسؤول الأساس والمباشر عن وصول الأوضاع المالية والاقتصادية إلى ما وصلت إليه من تردٍ وانحدار، وليس الطبقة السياسية.

عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، خاضت القوى السياسية مجتمعة معارك ضارية لتحصيل سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام وهي كانت تعرف سلفاً ان لا قدرة للخزينة على تحمل أعباء الزيادات التي ستفرضها هذه «السلسلة» غير انها تجاهلت الأمر لكسب المزيد من الأصوات في هذه الانتخابات، وما زاد الطين بلة هو ان الحكومة لم تقم بأي تدبير علمي لتأمين زيادة الرواتب من خلال وقف الهدر، واقفال مزاريب الانفاق غير المجدي ورفع منسوب الإيرادات إلى ان وصلت إلى الحائط المسدود، وقد تفاقم الوضع وزادت الصعوبات بعد ان ربط ​المجتمع الدولي​ أي مساعدة له للبنان على مستوى الاستثمار والإنماء بإعادة النظر بالاصلاحات و​العجز المالي​ في الوقت الذي لا يوجد فيه قرار سياسي بتنفيذ إصلاحات، فلجأ اليوم إلى طرح إعادة النظر بالرواتب والمعاشات وهو ما يعتبر في رأي وزير سابق لكنه متابع لأدق التفاصيل السياسية، هرطقة ما بعدها هرطقة.

ففي رأيه لم يحصل منذ ان أقرّت سلسلة الرتب والرواتب حروب أو هزات أرضية أو غزو للبنان حتى تلجأ الدولة إلى إعادة النظر بقرارات مالية اتخذتها، ف​النزوح السوري​ كان قبل إعطاء «السلسلة» وكذلك اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي لم يتغيّر شيء بين تاريخ إقرار «السلسلة» وتاريخ التفكير بإعادة النظر بالمكتسبات المالية للموظفين.

إن جل ما حصل في اعتقاد الوزير المشار إليه هو ان القوى السياسية تنبهت إلى أنها ارتكبت خطأ كبيراً في عدم الذهاب إلى تأمين الإيرادات المتوجبة لتغطية أموال «السلسلة»، وهذه القوى لن تكون لديها القدرة على إعادة النظر بالقرارات التي اتخذتها، لأن الشعب لن يقبل، فغالبية من استفاد من «مكرمة» السلسلة أصبحت لديه التزامات مالية إن على مستوى قروض سكنية، أو أقساط جامعية، أو شراء حاجيات منزلية وبالتالي فإن أي مس براتبه سيكون بمثابة الضربة القاضية له ولعياله وهو ما لن يقبل به وسيكون مستعداً للنزول إلى الشارع وعدم العودة منه لاجبار الحكومة على التراجع عن أي قرار تتخذه من شأنه ان يخفض من راتبه أو معاشه التقاعدي، وان ما يحصل كل يوم سبت في ​فرنسا​ سيكون حدثاً سهلاً امام ما يُمكن ان يحصل في الشارع اللبناني إن أقدمت الحكومة على أي تدبير مالي كالذي يتم التداول به.

وفي تقدير الوزير المتابع ان الحل يكمن بالاصلاح، وهذا الإصلاح يبدأ بوقف الهدر الحقيقي الذي يحرم الدولة ما يقارب الأربعة مليارات ​دولار​ في ​السنة​ جواً وبحراً وبراً، والتشدد في جباية ​الضرائب​ والرسوم، والحد من المصاريف الناجمة عن السفر وما شابه وصولاً الى تخفيض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب، مستغرباً كيف ان هناك من يتحدث عن تخفيض رواتب للموظفين ولديه مواكب أمنية يصرف عليها ملايين الليرات من خزينة الدولة؟

وحول إمكانية ان يكون مصير لبنان كمصير ​اليونان​ على مستوى الأزمة المالية، يسارع الوزير إلى القول انه بحسب ما يملك من معطيات فإن هناك حماية دولية حقيقية للبنان وهذه الحماية حتى هذه اللحظة تشكّل له مظلة تقيه شر الإفلاس والذهاب الى ما ذهبت إليه اليونان من إجراءات، لكنه في الوقت ذاته يعرب عن مخاوفه من ان يلجأ المجتمع الدولي الذي يربط مساعدته للبنان بالاصلاحات، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير وهنا يكمن الخطر من ربط هذه المساعدات بمعالجة وضع ​النازحين السوريين​ واللاجئين الفلسطينيين على حساب لبنان، والخوف كل الخوف أيضاً ان تقبل القوى السياسية أو البعض منها بهذا التوجه للهروب من الإصلاحات التي لا قدرة لهم على تنفيذها.