أكَّد ​العلامة السيد علي فضل الله​ خلال "​اللقاء التشاوري​ ل​ملتقى الأديان والثقافات​" أن "شروط بناء الدولة وازدهارها لا يقتصر على النجاح في تحقيق الاستقرار ​الأمن​ي على أهميته الكبيرة، بل بتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهو ما يتطلّب من القيادات السياسية إعادة النظر في كلّ ما مورس من سياساتٍ خاطئةٍ علمياً ومدانةٍ أخلاقياً، أدت إلى مخاطر كبيرةٍ بلغت حداً ينذر بالانهيار الاقتصادي والمالي و​انفجار​ الأزمات الاجتماعية، فضلاً عن انقساماتٍ سياسيةٍ حادةٍ حول أكثر من ملفٍ، وقد تتمحور حول مصالح شخصيةٍ وفئويةٍ، الأمر الذي يتيح لنا القول إنّنا أمام تحدياتٍ كبرى إن لم نواجهها بنزاهةٍ وصدقٍ وشجاعةٍ وحكمةٍ، فإنّ نتائج وخيمةً تنتظر اللبنانيين قد تفوق بمخاطرها الحرب المشؤومة التي نستعيد اليوم ذكراها، وأهمها مصير البلد نفسه، وخصوصاً أننا في زمنٍ صعبٍ ودقيقٍ يحاول فيه الأقوياء في ​العالم​ أن يرسموا خريطة المنطقة في ضوء الحروب المستمرة والصراعات الحادة التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية".

ورأى أنّ التحدّي الأبرز الّذي يشكّل النجاح في مواجهته نقلةً نوعيةً في تعزيز السلم الأهلي، هو قدرتنا على مراجعة الذات التي صنعت الحرب سابقاً، وتكاد تدفعنا إلى الهاوية راهناً، وذلك بالتخلّص من الذهنية الفئوية والعصبوية التي تهيمن على تفكير الكثير من القوى السياسية وتوجهاتها، وتدفعها إلى تجاوز الحدود المشروعة قانونياً، من دون أن تعبأ لتعزيز مواقعها بإثارة الهواجس بين اللبنانيين بعضهم تجاه بعضٍ، ما يجعلنا في كثيرٍ من الأحيان نعيش تحت وطأة حربٍ أهليةٍ باردةٍ تأخذ عناوين الصلاحيات والحقوق أو عناوين الخوف والغبن، وهي حربٌ نخشى مما قد تؤول إليه إذا لم نعد النظر بكل تفكيرٍ فئويٍ أو أية مواقف تثير حساسيات الآخر.

وشدد على ان "لا مستقبل لهذا الوطن إذا استمرّت هذه الذهنيّة الفئويّة؛ ذهنيّة إثارة الغرائز والمشاعر للاستقطاب ولتعزيز الموقع، فالعيش المشترك لا يبنى إلا بذهنيّةٍ منفتحةٍ على تطلّعات اللبنانيين جميعاً ومصالحهم.. إننا نريد الذهنية التي تحمل الخطاب الوطني.. خطاب المشروع والبرنامج.. خطاب الإنجازات.. والذي على أساسه تتم محاسبة القوى السياسية وقياداتها". ودعا إلى "ضرورة الالتزام الدقيق بدستور الطائف الذي أردناه جميعاً عنواناً لطيّ صفحة الحرب وإعادة بناء الدولة، لا الدولة التي تكرس ​الطائفية السياسية​ التي ستبقى مسؤولةً عن كثيرٍ من مآسي اللبنانيين، بل أن نعمل على تجاوزها إلى دولة الإنسان؛ دولة المواطنة والقانون والعدالة التي نراها تطوي صفحة الحرب نهائياً، والتي لا نرى بديلاً منها يحظى بموافقة اللبنانيين وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة..".

وأشار إلى أن التحدّي الأخطر على السلم الأهلي هو التحدّي الاقتصاديّ والماليّ الّذي يفوق حالياً بخطورته التحدي الأمني أو السياسي، فإننا نرى أن الأوان قد آن كي نتخلّص من كلّ ارتكاباتٍ في هذا المجال من أخطاء في رسم السياسات أو هدرٍ بسبب عدم القيام بالمسؤولية أو خطايا بفعل السرقة والرشاوى والسمسرات في التلزيمات والتوظيفات وتعيين المستشارين، وغير ذلك من فضائح تحدّث عنها المسؤولون أنفسهم وتضجّ بها وسائل الإعلام والتواصل.

وأضاف: "هذا الوطن العزيز بشعبه وتاريخه وحضارته لا يليق أن يقرن في نظر العالم بصفة ​الفساد​ أو ​النفايات​، ونحن هنا، وباسم كل المواطنين، وبعد أن بلغ السيل الزبى، نريد أن نؤكد أن لا وقف للانحدار الذي نشهده على جميع المستويات إلا بعد أن تحسم كل القيادات السياسية أمرها في عدم تغطية أية ارتكاباتٍ، وأن تبذل كل ما في وسعها لتدارك ما فات من قيامها بمسؤولياتها تجاه شعبها، وبأن تلتزم بما وعدت به في اعتماد النزاهة والشفافية في إدارة موارد البلاد، وإعادة تفعيل كلّ مؤسّسات الدولة الرقابية، والتمسّك بقاعدة الحاجة والكفاءة في التوظيف، وتعزيز استقلالية السلطة القضائية وتطهيرها من كلّ شائبةٍ، وقبل كلّ شيءٍ التخفيف من ثقل الأزمات الاجتماعية والمعيشية، فلا نحمل الناس ضريبة ​البناء​ والإصلاح بعدما دفعوا غالياً ضريبة ما حدث من هدمٍ وارتكاباتٍ..".