إنها "الحلقة المفرغة" التي تؤدي إلى "الدويخة" بالعامية، وإلى "الدوار" بالفصحى.

لماذا "الحلقة المفرغة"؟

لأن المعنيين وصلوا إلى مرحلة التشخيص لكنهم يتهيبون الموقف لوصف العلاج:

التشخيص: إنفاق يتراوح بين الزائد وغير المجدي، من دون تأمين تغطية له.

إذًا العلاج بخفض الزائد من الإنفاق وإلغاء ما هو غير مجد.

هل هناك أسهل من ذلك؟

الأمر سهلٌ إذا كان هناك قرار وإذا كانت هناك جرأة على اتخاذ القرار، ولكن يكون الأمر صعبًا، لا بل في غاية الصعوبة إذا لم يُتخذ القرار، الذي بات معروفًا، أو إذا لم تكن هناك جرأة على اتخاذ القرار.

***

ماذا يجري؟

الأمور تقريبًا تسير بالمقلوب، وربما هذا أمرٌ إيجابي في بلدٍ يحتاج فيه كل شيء إلى التوافق.

فالموازنة، بدلًا من أن تُقدَّم وتُطرَح وتُناقش لأقرارها ثم للمصادقة عليها وتاليًا لأصدارها في قانون، يُصار إلى "آلية معاكسة":

تُطرَح بين المعنيين في اجتماعات مغلقة، يُصار إلى التفاهم أو إلى محاولة التفاهم على الخطوات والتخفيضات، وحين يتم التفاهم، واستطرادًا تأمين التغطية السياسية لهذا التفاهم، يتم وضع الموازنة على جدول أعمال ​مجلس الوزراء​ للبدء بدرسها ومناقشتها تمهيدًا لأصدارها.

***

انطلاقًا من هذه الآلية "المحدَّثة"، نحن اليوم في أية مرحلة؟

ما زلنا في المرحلة الأولى، أي في مرحلة المناقشة داخل الأبواب المغلقة لتأمين التغطية السياسية للإجراءات التي يُقال عنها إنها "موجعة".

في الاجتماعات المغلقة عرض وزير المال ​علي حسن خليل​ واقع الموازنة العامة، ليتبين ان العجز ما زال واقفًا عند ستة مليارات دولار على رغم التخفيضات التي طاولت أكثر من بند إنفاقي.

العقد الأساسية تمثلت في البنود "الكبيرة والدسمة"، فخدمة الدين العام تشكل 32 في المئة من الموازنة، ورواتب الموظفين والمتقاعدين تشكِّل 36 في المئة، والكهرباء وحدها تحتاج إلى 15 في المئة، لتبقى النفقات التشغيلية والاستثمارية التي لا تتجاوز الـ 15 في المئة أيضًا.

بالتدرُّج، كيف يمكن خفض البنود الكبيرة؟

البند الأكبر هو الرواتب والأجور يليه بند خدمة الدين العام ثم الكهرباء ثم البند التشغيلي والاستثماري.

هل من مقترحات موضوعة؟

طُرحت مسألة تجميد ​سلسلة الرتب والرواتب​، لأنها كارثية، فقامت القيامة ولم تقعد.

طُرحت مسألة معاشات التقاعد ونهاية الخدمة، فبدأ قطع الطرقات وإحراق الدواليب.

في موضوع الكهرباء، لم تبدأ الخطة بعد، وبالتالي سيستمر الصرف لتأمين الفيول.

إذًا، كيف سيتحقق الوفر؟

هذا ما سميناه الدوران في الحلقة المفرغة أو الدويخة أو الدُوار!

***

لكن المقترحات جرى التداول فيها في حضور جميع الاطراف الفاعلين، فالاجتماع تم في ​بيت الوسط​ برئاسة الرئيس ​الحريري​ وحضور الوزيرين علي حسن خليل

و​جبران باسيل​ والحاج ​حسين خليل​ عن ​حزب الله​. فإذا كان هؤلاء المجتمعون، بما يمثلون، غير قادرين على توفير الغطاء للإجراءات، فمَن سيستطيع توفيرها؟

***

في المرصاد، كان هناك يومٌ حافل قام به الموظفون في القطاع العام، واداريون، ومعلمون ومدرسون وأساتذة ثانويون، وأساتذة ​الجامعة اللبنانية​، وما لم تُتستَجَب مطالبهم فإن الأمور ذاهبة نحو الأسوأ.