لم يتمكن الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ من إخضاع الجمهوريّة الإسلامية في ​إيران​ رغم كمّ العقوبات التي تنهال بين فترة وأخرى عليها، ورغم قساوة الإجراء الأخير الذي تم اتخاذه بحق ​الحرس الثوري الإيراني​ وفرض العقوبات عليه، إلا أن القيادة الإيرانية لا تزال تقاوم بشتى الطرق لمجابهة الحرب الإقتصاديّة المفروضة عليها.

حتى اليوم، لم تستسلم طهران ولا زالت قويّة في وجه باقي الدول، فهي لا تزال تهدّد، ترفض التعدّي الكلامي عليها، وتستدعي سفراء الدول التي تتّخذ من القرارات الأميركيّة خارطة طريق للعمل الدبلوماسي، وهذا ما حصل مؤخّراً بعد وضع ​الجيش الأميركي​ على لائحة الإرهاب الإيرانية، ومن ثم استدعاء السفير الفرنسي في طهران على خلفية كلام صدر عن سفير فرنسا في واشنطن ضد الإتفاق ​النووي الإيراني​، إضافة للتهديد المتعالي عن قدرة إيران في تخصيب اليورانيوم.

اللافت في الموضوع، أن الإدارة الأميركية تطمح من كل ذلك زيادة الضغط على المتشددين في إيران ومن خلفهم النظام الإيراني، إلا أن أرض الواقع تظهر تكتلاً إيرانياً حول الحرس الثوري والمتشددين، ما يجعلها خسارة أولى للولايات المتحدة الأميركية، خصوصا أن هذه الإجراءات الأميركية الجديدة ستؤدي إلى فشل الإصلاحيين في وعودهم الإصلاحية في إيران، ما سيعطي المتشددين حظوظاً كبيرة للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2021.

كما أن الخسارة الثانية للإدارة الأميركيّة تتجلّى في خسارة "ودّ" الشعب الإيراني، إذ تسعى أميركا للحصول عليه من شعوب العالم بحيث تُظهر نفسها حامية للديمقراطيّة ومحبة للشعوب المستضعفة. ووفق استطلاع للرأي أجرته جامعة ميريلاند، فقد عبّر 80 بالمئة من الإيرانيين عن رأيهم المناهض لأميركا وهو تطور يصعب تصوّره في السنوات الماضية، إذ ان نسبة "المتوددين" لواشنطن في أوساط الشباب الإيراني كانت أكبر في عهد الرئيس ​باراك أوباما​ خصوصاً بعد إبرام الإتفاق النووي، وهذا ما لم يستطع ترامب الاستفادة منه، وتسبب بضياعه مؤخرا.

لم يكن الشعب الإيراني بأكمله يوما "كارها" للشعب الاميركي، ولكنه اليوم ربما سيصبح كذلك، فالكره لم يعد يقتصر على الادارة الاميركيّة، وهو سيصبّ في مصلحة النظام الايراني الحالي، كما لم يكن الشعب محبًّا بأكمله لنظام الحكم في إيران، ولكنه أيضا لم يكن يوما الى جانب من يريد تدمير بلده، فالشعب الإيراني مشهور بتماسكه بوجه أعدائه ولو كانت الخلافات الداخليّة كبيرة جدا، وهذا ما نراه اليوم.

من هنا، يمكن اعتبار أن ترامب خدم المتشددين في الجمهوريّة الاسلاميّة كما لم يخدمهم أحد، فتمكن من إقناع الشعب الإيراني من أنّ النهج المعتدل والإصلاحي مع الغرب ومن خلفهم أميركا لن يؤتي ثماره على الشعب الإيراني. كما دفع الرئيس الأميركي الشعب الإيراني للتفكير بأن الوضع في طهران كان أفضل توقيع الإتفاق النووي، وهو أحد أهم انجازات الرئيس الإيراني ​حسن روحاني​ والتي يتباهى بها الإصلاحيون، ويهاجمه المتشددون.

إذاً، فشل الرئيس الأميركي أيضاً بتشويه سمعة الحرس الثوري الإيراني خصوصاً بعد رفض عدد من الدول الأوروبية تصنيفه ضمن لائحة الإرهاب، وبالتالي لم يحقّق ترامب أهدافه من الضغط الجديد على طهران، بانتظار بداية الشهر المقبل الذي سيشهد تشدّدا بالعقوبات الاقتصاديّة لم يحصل من قبل، فكيف ستكون النتيجة، في إيران، وفي المنطقة ككل؟!.