اثارت الجريمة التي ارتكبت في ​نيوزيلندا​ منذ فترة قصيرة واستهدفت مسجدين والمصلّين فيهما، ردود فعل شاجبة ومستنكرة من مختلف دول ​العالم​، ومن كل الطوائف المسيحيّة والاسلاميّة. ولكن الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​ كان الوحيد الذي سارع في حينه الى "صبّ الزيت على النار" بدعوته الى اعادة متحف "​آيا صوفيا​" الى مسجد، وللعلم فقط، هو اردوغان نفسه الذي كان عارض هذا الطلب ودافع عن قراره الرافض بقوة(1)، فما الذي استجد؟.

حين عارض اردوغان الفكرة سابقاً، كان يطمح الى ​رئاسة الجمهورية​ وبسط سيطرته على ​تركيا​، وذلك عبر التقرّب من الشباب ومن افكارهم من جهة، ومن الغرب واظهار نَفَسه العلماني من جهة اخرى. وحتى قبل فترة قصيرة من الانتخابات الاخيرة التي شهدتها تركيا، كان اردوغان على موقفه، لكنه سرعان ما نقض كل ما قاله، وذلك قبل ساعات من الانتخابات. ورجّح الكثيرون انْ يكون السبب الرئيس لموقف اردوغان في حينه، التهويل بأن خسارته الانتخابات وخصوصاً في اسطنبول ستعني تغيير الاوضاع في تركيا، ومنها تحويل "آيا صوفيا" الى مسجد. ولكن في الواقع، فإن الكثيرين يعتقدون ان الامر ليس سوى مجرد تهويل لاسباب عدّة اهمها ان نفوذ اردوغان داخل تركيا بدأ يتراجع، وبالتالي لم يعد لديه القدرة على اجتذاب الشعب التركي كما فعل سابقاً لسنوات، اضافة الى ان تقلّب مواقفه حول العديد من القضايا ومنها قضية "آيا صوفيا"، لا يعدّ نقطة ايجابية بالنسبة اليه لدى الرأي العام التركي الذي لم يعد يعرف أيّ مسلك قد يتّخذه الرئيس الحالي وهو احد اسباب تراجعه وحزبه في الانتخابات الاخيرة.

ولا يزال الاتراك ينظرون باحترام كبير الى مؤسس جمهوريتهم الراحل مصطفى كمال اتاتورك والذي كان اصدر قراراً بتحويل "آيا صوفيا" الى متحف، وليس من السهل بالنسبة الى شريحة كبيرة من الاتراك ان يعمد احد الى كسر قرار صادر عن اتاتورك، لانهم قد يعتبرونه بمثابة قلّة احترام لذكراه.

هذا على الصعيد الداخلي، اما على الصعيد الخارجي، فهناك اسباب كثيرة تؤشر الى انه من الصعب اعتماد "آيا صوفيا" مسجداً من جديد لعل اهمها الصورة التي ستعطيها تركيا الى الغرب، وهي التواقة الى أن تزيل عنها صورة التشدّد الديني واعتبارها البلد الاسلامي الطابع الاقرب الى الغرب والقادر على استلام دور السعوديّة في المستقبل في المنطقة بروحيّة مغايرة تماماً تناسب افكار الدول الكبرى، وبدل بثّ رسالة اطمئنان لهم ستكون الرسالة أقرب الى القلق والخوف. اما العقبة الاساسية التي قد تجعل اردوغان منبوذاً ووحيداً، فهي كيفية اقناع ​روسيا​ بهذه الخطوة، لان "آيا صوفيا" كانت في الاساس صرحاً بيزنطياً ولها رمزية خاصة للارثوذكس في العالم بشكل خاص، وسيكون من الصعب على اردوغان اقناع صديقه الوحيد في الدول الكبرى أي الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ بأنّ تحويل "آيا صوفيا" الى مسجد سيكون امراً سهلاً، لانه اذا ما قرّر بوتين الانضمام الى صفوف معارضي اردوغان، فسيبقى الرئيس التركي وحيداً وسيكون معزولاً ولن يجد في صفّه أيّ صوت مؤثّر في الخارج يمكنه ان يدعمه، ناهيك عن الخسائر الكبيرة التي ستلحق بأردوغان على الصعيد السياسي، وبتركيا بشكل عام على صعيد النفوذ حيث ستخسر حتماً كل ما عملت من اجله في السنوات الماضية.

ويبدو ان فكرة اردوغان تحويل "آيا صوفيا" الى رهينة بين يديه، لن يجدي نفعاً وقد تنقلب الفكرة عليه وتهدد بالاطاحة به.