ركّز البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، على أنّ "في مِثل هذا اليوم، منذ ألفي سنة، فيما كان يسوع يأكل عشاء ​الفصح​ الأخير مع تلاميذه، ليلة تسليمه وآلامه وصلبه، "قام يسوع عن العشاء وغسل أرجل تلاميذه" (يو13: 4-5). فأعطى بذلك أمثولة لهم ولنا ولكلّ جيل، في التواضع والخدمة"، مبيّنًا أنّ "يسوع كان يرغب في أن ينقّي قلوبهم، لأنّه كان مزمعًا أن يجعلهم كهنة العهد الجديد، وأن يسلّمهم خدمة سرّ القربان من أجل استمراريّة ذبيحته الخلاصيّة على الصليب لفداء العالم، ووليمة جسده ودمه للحياة الجديدة في كلّ إنسان. فحَرم يهوذا الإسخريوطيّ نفسه من هذه التّنقية، وخرج من المائدة لتحقيق الموآمرة على تسليم يسوع. عندئذٍ أسّس يسوع السرَّين الخلاصيَّين: القربان والكهنوت".

ولفت خلال ترؤسه ​رتبة الغسل​ في يوم ​خميس الأسرار​ في ​بكركي​، إلى "أنّنا الآن نحتفل معًا بهذين السرَّين، اللّذين هما مصدر الأسرار الخمسة الباقية: المعمودية والميرون والتوبة ومسحة المرضى والزواج. فالمسيح الكاهن الأزليّ يصنع الأسرار، بواسطة خِدمة الكهنوت وقوّة الروح القدس. من هنا تأتي تسمية "خميس الأسرار". وفي الوقت عينه، نقيم رتبة الغسل". ونوّه إلى أنّه "يسعدنا أن يكون ممثّلي تلامذة يسوع أحبّاؤنا من مؤسّسة "إيمان ونور" الّتي تعيش فرح الإيمان واللّقاء على ضوء نور المسيح. وكانت لنا لقاءات عديدة معها في سنوات خدمتي كراعٍ لأبرشيّة جبيل".

وتوجّه البطريرك الراعي إلى ممثّلي تلاميذ المسيح، من مؤسسة "إيمان ونور"، قائلًا: "إنّ اختياركم لهذه السنة، يجعل مشاركتكم مميّزة لأنّكم الأقرب إلى قلب يسوع ومحبّته، لكونكم تحملون في أجسادكم وكيانكم جراحات يسوع لفداءالعالم. إنّ جراحاته الخلاصيّة تتواصل فيكم، وبواسطتكم يتواصل عمل الفداء، ويتمجّد الله".

وذكر أنّ "مؤسّسة "إيمان ونور" وُجدت لتُظهر للمجتمع وللعالم هذه الحقيقة وهذه القيمة التي لكم. عندما سُئل يسوع مرّة، وقد التقى شابًا أعمى من ولادته، إذا كان أبوه أو أمّه أخطأ فوُلد أعمى، أجاب: "لا أبوه ولا أمّه، بل ليتمجّد الله" (يو9: 1-3). على ضوء ​آلام المسيح​ البريئة وموته على الصّليب فداءً عن البشرية جمعاء وعنّا، نفهم هذا الجواب. فيسوع نفسه، عندما اقتربت ساعة تسليمه للعذاب والموت، قال: "الآن، أتت الساعة ليتمجّد فيها ابن الانسان ويتمجّد الله فيه" (يو31:13)".

وشدّد على أنّ "الرب يسوع، بفيضٍ من حبّه، أسّس سر القربان في ذاك العشاء الفصحي الأخير، بعد خروج يهوذا ليسلّمه، فبارك الخبز وكسره وأعطى تلاميذه قائلًا: "خذوا كلوا، هذا هو جسدي الذي يُبذل من أجلكم"، من ثمّ أخذ كأس الخمرة وبارك وشكر وأعطاهم قائلًا: "خذوا اشربوا منها كلّكم. هذه هي كأس دمي، للعهد الجديد، الذي يراق من أجلكم ومن أجل الكثيرين لمغفرة الخطايا" (متى26: 26-28)". وأشار إلى أنّ "هكذا جعل نفسه حمل الفصح، بدلًا من الحمل الحيوانيّ الّذي كان يُذبح ويصبح وليمة العائلة المحتفلة بالفصح اليهودي".

وأوضح أنّ "ربّنا أسّس للحال سرّ الكهنوت بقوله: "إصنعوا هذا لذكري" (لو49:22). فراح كهنة الكنيسة يقيمون مع الجماعة المؤمنة في يوم الرّبّ ذبيحة القدّاس ووليمة جسد الرّبّ ودمه بشكلَي الخبز والخمر المحوَّلَين في جوهرهما بكلام التّقديس وحلول الروح القدس".

كما فسّر أنّ "في الرسامة الكهنوتية، يمسَح الأسقف يدَي الكاهن، لكي تصبحا خاصّة ​يسوع المسيح​ في العالم وتنقلا نعمه، وتكون دائمًا في خدمته وتصرّفه. ويمسَح جبينه موجّهًا إليه دعوة "إتبعني" من دون خوف، فيَدي ترافقك كلّ يوم وتقوّيك وتشجّعك وتساعدك. نصلّي في هذه الذّبيحة المقدَّسة من أجل الكهنة، لكي يكونوا أمناء للمسيح الّذي دعاهم، وللرّسالة الموكولة إليهم".

وركّز الراعي على أنّ "في هذه اللّيلة المقدّسة، نعرض القربان المقدّس طيلة اللّيل لعبادة المؤمنين. فيصلّون ويسهرون معه، متذكّرين اللّيلة الّتي قضاها يسوع في بستان الزيتون مصلّيًا للآب كي يعضده في مواجهة الآلام والصّلب. واعتاد المؤمنون زيارة سبع كنائس، تذكارًا للأسرار السبعة الّتي أُنشئت إنطلاقًا من سرّي القربان والكهنوت".

ودعا إلى أن "نجدّد أمانتنا للمسيح وليوم الرب، حيث نلتقيه مجتمعين حول ذبيحة جسده ودمه ومائدته الروحيّة. فنمتلئ من نعمة محبّته، ونتجدّد ونشهد له في حياتنا البارّة وأعمالنا البنّاءة".