فجر يوم الأحد، ذهبت النِّسوة إلى القبر ليُحَنّطنَ جسد يسوع ويُطيّبنَه بالطّيب، فإذا بالقائم من بين الأموات، يُطيّبُ أجسادهنَّ وحياتَهُنَّ برائحة القيامة، ويدعوهُنَّ إلى البحثِ عنه خارج مساحة القبر، لأن القبر ليس مثواه؛ فالقبر عاجِزٌ عن احتواء ​الحياة​.

مَن يقف عند حدود ​الجمعة العظيمة​ ولا يِصِل إلى أحد القيامة، لا يَصِل إلى الحياة بل يبقى في الموت. ذلك أنّ إيماننا المسيحيّ ليس مبنيّاً على موت المسيح وحسب، بل على موته وقيامته من بين الأموات؛ فَمن يبقى عند حدود حدثِ موت الربّ، سيَسمَعه يقول له ما قاله لِتلميذَي عمّاوس: "يَا عَدِيمَيِ الفَهْم، وَبَطِيئَيِ القَلْبِ في الإِيْمَانِ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاء! أَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الـمَسِيحِ أَنْ يُعَانِيَ تِلْكَ الآلام، ثُمَّ يَدْخُلَ في مَجْدِهِ؟"(لو24: 25-26).

الكنيسة إذاً، ليست كنيسة الجمعة التي تحتفل بموت مُخلّصها فقط، ولا كنيسة السّبت التي تعيش حالة الإنتظار وحسب، ولكنّها بامتياز كنيسة الأحد، أي ​كنيسة القيامة​ التي تُشكّل جوهر الإيمان والشهادة ​المسيحية​؛ لأنه لو مات المسيح وما قام، لَما كان شيءٌ ممّا هو الآن. الرّسول بولس يُعَبّر عن هذه الحقيقة بقوله: "إِنْ كَانَ الـمَسِيحُ لَمْ يَقُمْ، فبَاطِلٌ تَبْشِيرُنا وبَاطِلٌ إِيْمَانُكم" (1قور15: 14)، وكلمة "باطل"، تعني "كاذب ولا أساس له"، ولهذا فإنّ مَن يقف عند حدود يَومي الجمعة والسّبت، يكون قد وقف عند حدود الموت والقبر والفراغ، ولم يختبر بعدُ فرح القيامة والحياة.

قال يسوع لمريم المجدلية: "لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الـحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَات؟ هُوَ لَيْسَ هُنَا، بَلْ قَام"(لو24: 5). لقد غلب يسوع الموت بقيامته، فدحرَج الحجر العظيم (مر16: 4)، الذي سُدَّت به فوهة قبره، ورفع في الوقت، نفسه الحجارة العظيمة التي تسُدُّ فُوهات قبورنا، فحرّرنا من ظلمة الموت، واستحقّ لنا أن نكون حيث يجب أن نكون، وحيث دعانا إلى أن نكون، وحيثُ يكون هو، في المجد الأبدي، لأنّنا "إن مُتنا فَسَنحيا ونَملك معه"(2طيم2: 11).

في العادة يدخل النّور من الخارج إلى الدّاخل فيُضيء الدّاخل. في قيامة يسوع، يخرج النّور من الدّاخل فيُضيء الخارج! لماذا؟ لأنّ يسوع هو النّور الآتي من النّور. الله نور وابنه نور، ومَن يؤمن بالنّور يتحوّلُ إلى نور؛ لأن مشيئة الله هي أن يُشع المؤمنين بنوره، فيتشبّهون بالمسيح: "لأنّنا جَمِيعُنا أَبْنَاءُ النُورِ وَأَبْنَاءُ النَهَار. ولَسْنَا أَبنَاءَ اللّيل وَلاَ أَبنَاءَ الظُلْمَة"(1تس 5: 5). نور المسيح القائم من بين الأموات هذا، الذي نلناه بالإيمان، هو الذي نستقبله في داخلنا، وهو الذي يُدحرج الحجر العظيم الذي وضعته الخطيئة على قلوبنا، وتحريرها ​الفساد​ السّاكن فيها، فنستضيء ونُضيء.

هذا بالتحديد معنى عبارة "ونحن شهود على ذلك" التي نُردّدها عندما نُحيي بعضنا البعض بالقول: "المسيح قام"؛ فَمَن اختبر فرح القيامة ودخل في سرّ الحياة ​الجديدة​ مع المسيح القائم من بين الأموات وأصابه الفرح الشّديد، لا يُمكنه، بعد الآن، أن يكون فاسِداً ومُفسِداً، بل شاهِداً ورسولاً حاملاً إلى العالم نور وجه الله الآب وسلامه، ونور محبّة الإبن الوحيد التي خلّصته من الخطيئة واستحقّت له المجد الأبدي، ونور نِعمة الرّوح التي تُحقّق فيه القداسة، حتى انتهاء الدّهور.

فلنكن نور، ولنحمل شُعاع نور المسيح إلى العالم كلّه، فيعرف أنّنا حقّاً أبناء القيامة.

المسيح قام... حقّاً قام، ونحن شهودٌ على ذلك