كشفت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان بعض ​القوى الفلسطينية​ في لبنان أُبلغت، انه تم اتخاذ قرار جديد بشان التعامل مع الوضع في مخيّم الميّة وميّة في منطقة صيدا، وسيطبّق في وقت قريب لجهة إنهاء المظاهر المسلحة، وحفظ الامن والاستقرار فيه والجوار اللبناني، وتمهيدا لإعادة أملاك اللبنانيين الى أصحابها، كخيار بديل عن بناء جدار إسمنتي كما فعل في ​مخيم عين الحلوة​ في العام (2017–2018).

ويأتي هذا القرار في اطار "خطة" مدعومة من أعلى مراكز السلطة السياسيّة، لتفكيك الالغام داخل المخيّم نفسه من جهة، وتنفيس الاحتقان الذي ساد منطقة الجوار اللبناني من جهة أخرى، بعد الاشتباكات التي حصلت فيه، بين حركتي "فتح" و"​أنصار الله​"، في تشرين الأول من العام 2018، وأوقعت أربعة قتلى ونحو 30 جريحا، فضلا عن اضرار ماديّة في الممتلكات، وما رافقها من تأثير سلبي على بلدة الميّة وميّة.

وأوضحت المصادر الفلسطينية، أن مسؤولين لبنانيين أمنيين، عقدوا سلسلة اجتماعات متلاحقة خلال الاسابيع الماضية، مع ممثلين عن حركة "فتح" و"​قوات الامن الوطني الفلسطيني​" ضمّ قائدها في لبنان اللواء صبحي ابو عرب ومسؤول الماليّة اللواء منذر حمزة، وعن حركة "حماس" برئاسة مسؤولها السياسي في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي (أبو ياسر) وعن حركة "​انصار الله​" نائب أمين العام الفارّ ماهر عويد، حيث عُرض خلال الاجتماع الاوضاع الامنيّة والخطة المقترحة بين خياري: جعله "منزوع السلاح" أو "انهاء المظاهر المسلحة"، على ان يعقد اجتماع موسع في وقت قريب يجمع الاطراف ذاتها لحسم أحد من الخيارين.

ويتحكم بمعادلة المخيم المذكور السياسيّة والأمنيّة بشكل رئيسي ثلاثة فصائل فلسطينية هي "فتح"، و"حماس" و"انصار الله"، وقد أحكمت حركة "فتح" السيطرة عليه في اعقاب الاشتباكات الأخيرة التي خلصت الى "تسوية" هرب على اثرها الامين العام لتنظيم "أنصار الله" جمال سليمان المخيم (7 تشرين الثاني 2018) برفقة نحو 20 شخصا من عائلته، هم زوجاته وأولاده ومرافقيه الشخصيين ليغيب عن المشهد السياسي عن المخيّم.

نزع أو انهاء

وفيما أكّدت مصادر فلسطينيّة لـ"النشرة"، أنّ ​الجيش اللبناني​ يتّجه الى جعل المخيم منزوع السلاح وفق اتّفاق مسبق مع القوى الفلسطينيّة بدأ التمهيد له من خلال الاجتماعات السابقة، أوضح المسؤول السياسي لحركة "حماس" في منطقة صيدا الدكتور أيمن شناعة، لـ"النشرة"، ان "المطروح هو منع الظهور المسلح في المخيم في اطار خطّة لحفظ الامن والاستقرار ومنع الاستفزاز"، مشيرا الى ان "لقاءات عقدت مع مخابرات الجيش في "اليزرة" و"صيدا"، وجرى التداول خلالها بالعناوين العامة على أن يعقد لقاء آخر يتناول التفاصيل".

وميّز شناعة بين عمليتي "منع الظهور المسلح" وبين "نزع السلاح" في المخيّم، قائلا ثمة فرق شاسع بينهما، فالأولى تساهم في ضبط الوضع الامني، والثانية تعني تغيير المعادلة اللبنانيّة في كيفيّة التعامل مع المخيّمات الفلسطينيّة في هذا التوقيت السياسي، وهي تحتاج الى إجماع فلسطيني ولا تقتصر على موافقة "فتح" أو "حماس، او "أنصار الله"، ولذلك كنا ومازلنا نطالب بعقد "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" في لبنان، كاطار جامع لكل القوى السياسيّة في لبنان وهي المرجعيّة الّتي تتخّذ أيّ قرار بشأن مصير المخيّمات.

وكان الجيش اللبناني قد تموضع في 24 تشرين الأول العام 2018 عند مدخل المخيّم، حيث تسلم حاجز "قوات الامن الوطني" من الجهة الجنوبيّة الغربية بعد الاتفاق مع ​حركة "فتح​"، وتمركز في مقر "القوة الامنية المشتركة" ونفذ عملية انتشار في محيطهما، باشراف عدد من كبار الضباط العسكريين في الجيش وقائد الامن الوطني الفلسطيني ​اللواء​ صبحي ابو عرب، وهي المرة الأولى منذ أكثر من 15 عامًا، وذلك في اعقاب يوم واحد على دخول قوّة من الجيش اللبناني إلى المخيم، مكثت حوالي 3 ساعات، قبل أن تنسحب عائدة إلى ثكنتها في مدينة صيدا المجاورة، حيث قرأت على انها رسالة مزدوجة الى جميع المسلّحين المنتشرين بضرورة الانسحاب وعدم الإخلال بالأمن مرة أخرى، وأيضا رسالة تطمين الفلسطينيين في المخيّم وأهالي قرية "الميّة وميّة" المجاورة.

والى جانب حفظ الامن والاستقرار، قرأت أوساط فلسطينية القرار الأمني بأنه خطوة تمهد الطريق لتسوية لاعادة أملاك اللبنانيين الى اصحابها، كخيار بديل عن بناء جدار إسمنتي كما فعل في مخيّم عين الحلوة، (على أن يقوم صندوق المهجرين بالتعويض عن اللاجئين المقيمين في أملاك لبنانيّة بنحو 6 الاف دولار اميركي أسوة باللبناني)، وذلك لاستيعاب احتجاج اللبنانيين من سكان البلدة، الذين جدّدوا مطالبتهم باستعادة أملاكهم من بيوت وعقارات لهم ضمن نطاق المخيم، وقد تابع قضيتهم راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران إيلي حداد، وكاهن رعية الميّة وميّة الأب ساسين غريغوار، ورئيس البلدية رفعات بوسابا، وقيادة الجيش من جهة، والقوى الفلسطينية في المخيم من جهة ثانية.

ومع بدء الجيش اللبناني بوضع كتل إسمنتيّة، عند الحدود الشماليّة الشرقيّة للمخيّم، من جهة البلدة، اثار القرار احتجاج الأهالي الذين أبدوا تخوفهم من أن يكرس هذا حرمانهم من أملاكهم، كونه يبقي بعض هذه البيوت والعقارات العائدة للبلدة ضمن نطاق المخيم. فدعا كاهن رعيّة الميّة وميّة ساسين غريغوار إلى مؤتمر صحافي لأصحاب الأملاك المتضررة، خارج نطاق ​مخيم المية ومية​، لشرح قضيتهم المستمرة من العام 1992، ما استدعى اتصالات ومساعٍ عاجلة، قام بها المطران حداد مع قيادة الجيش، وحصل بموجبها الأهالي على تطمينات بأن هذا التدبير موقّت، ويمكن إزالتها (ايّ الكتل الاسمنيتة) في أيّ لحظة، وبناء عليه، تم إلغاء المؤتمر الصحافي، واستعيض عنه ببيان جاء فيه: "بناءً على مناشداتٍ مخلصة وتدخلات طيّبة، قرر أهالي المّية وميّة، وخصوصاً أصحاب الأملاك المتضررة خارج نطاق المخيم، إرجاء تحركهم إفساحاً في المجال أمام المساعي الخيّرة".

وفي حال تم التوافق على نزع السلاح من المخيّم، فانّه يصبح ثاني مخيّم في لبنان منزوع السلاح بعد مخيّم "نهر البارد" في الشمال، والذي جرى في اعقاب المعارك الضارية التي دارت بين الجيش اللبناني والتنظيم الارهابي "فتح الاسلام" برئاسة شاكر العبسي، ففي 20 أيار 2007، استمرّت نحو ثلاثة أشهر، إلى أن سقط بعد عمليّة فرار جماعيّة لمن تبقى من فلول "فتح الإسلام" في الثاني من أيلول 2007.