أكدت التصريحات السياسية على خط بعبدا-​بيت الوسط​ أن العلاقة بين ​رئيس الجمهورية​ ميشال عون ورئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ ليست متطابقة مع جوهر التسوية السياسية التي قامت سابقاً بين العهد و"الشيخ سعد". لم يُسمّ رئيسُ الجمهورية ال​لبنان​ية الحريري بالإسم في إنتقاده الأخير، لكن التفسيرات جزمت بأن رئيس الحكومة هو المقصود، تبعها كلام حول ردٍ كان مرتقباً لرئيس الحكومة، لكنه عدل عنه.

في الداخل يدور الحديث عن تباينات في وجهتي نظر الفريقين في شأن مقاربة العناوين الإصلاحية المالية-الإقتصادية، للحصول على إيرادات مؤتمر "سيدر". فما قاله وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ عن حسومات وتدابير منتظرة ستطال الرواتب، "كي يبقى هناك رواتب"، سبق وتمّ الإتفاق بشأنها مع الحريري في إجتماع بيت الوسط، لكن رئيس الحكومة نفض يده من تصريح باسيل، فتبيّن للرأي العام اللبناني وكأن وزير الخارجية هو وحده من يريد أن يكون التقشّف المالي على حساب جيوب الموظّفين والعسكريين، ويطال ذوي الدخل المتوسط، والمنخفض ايضاً إلى جانب أصحاب الدخل المرتفع.

كل ذلك، لا يرى فيه المطّلعون أسباباً جوهرية لوجود شرخ بين الحريري وباسيل، لأن الحديث يتردد في عواصم معنية بلبنان عن نهاية التسوية بين رئيسي التيارين الازرق والبرتقالي لأسباب أخرى: يقول هؤلاء أن "الشيخ سعد" كان يعد نفسه في ترؤس حكومات عهد ​الرئيس ميشال عون​، ثم عهد باسيل الرئاسي الذي كان يتوقّعه بعد انتهاء الولاية الرئاسية الحاليّة، أي أنّ رئاسته للحكومة ستكون على مسافة زمنية تصل إلى ١٢ سنة متتالية. لكن المطّلعين في تلك العواصم يعتبرون "أن الحريري لمس تراجع حظوظ باسيل في الوصول إلى ​رئاسة الجمهورية​ نتيجة موقف أميركي متصلّب تجاه وزير الخارجية اللبناني، حاول الأخير أن يخفّف من حدّته، بطمأنة ​واشنطن​"، لكن الأميركيين مصرّون على موقفهم من باسيل، إلى حدّ أنّ الأميركيين المولجين بمتابعة الشأن اللبناني ذكروا أمام شخصيات لبنانية أن واشنطن قد تذهب في نهاية المطاف إلى عقد تسويات شرق اوسطيّة، أو تعقد تفاهمات مع ​إيران​، "لكنها لن تصل إلى إجراء تسوية تسمح بوصول باسيل شخصياً إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية"، دون ان يعني ذلك وجود مرشح توافقي آخر يحظى بقبول عام. وحينما راجع أحد السياسيين المسيحيين اللبنانيين واشنطن، للتدخل والتخفيف من حدّة الإجراءات الأميركيّة الماليّة بشأن لبنان لمنع هجرة المسيحيين منه، أتاه الجواب في واشنطن: لم يعد يهمنا المسيحيين في هذا البلد، فلتعالج ​روسيا​ هواجسهم. أتى هذا الكلام ردّاً على الدور الروسي المتزايد من ​سوريا​ إلى لبنان.

لذلك، يرى مراقبون أن الحريري تعمّد الإبتعاد عن العهد، وعاد بالمقابل للإلتصاق بالقوى السياسية في الساحة السنّية، فعمّق تفاهمه مع رئيس الحكومة الأسبق ​نجيب ميقاتي​ الذي يعدّ الشخصية المنافسة الوحيدة للحريري سنّياً، وتصالح مع الوزير السابق ​أشرف ريفي​، الذي صعّد من حملته على باسيل في موضوع الدعوى القضائية. فأراد "الشيخ سعد" بأن يوحي أنه زعيم السنية السياسية، لضمان ترؤسه الحكومات المقبلة، أيّاً يكن رئيس الجمهورية المقبل، أو العهد الجديد.

هل يعني كل ذلك أن ما تخطط له واشنطن هو قدر لا يُرد؟ ابداً، لعلّ ​السياسة​ المعاكسة للأميركيين هي المؤاتية لمسّتجدّات المنطقة، لكن مراقبين يقولون أن التسويات ستحلّ في نهاية المطاف، ومن هنا يرون أنّ باسيل "حاول عبر ​موسكو​ السير بخطوات بقيت طي الكتمان"، رغم ما اورده الإعلام عن لقاء حصل سراً في روسيا نفته ​وزارة الخارجية اللبنانية​.

بالإنتظار، يجمع المطّلعون أن المنطقة تشهد على صراع بين تيارين: إسلامي ببعدٍ إخواني، وعسكري. هكذا يبدو المشهد من ​الجزائر​، مروراً ب​السودان​، وليبيا، إلى مصر، إضافة إلى ما يجري في سوريا، في ظل تقهقر وضع "الإخوان". فهل يعني أن العصر هو زمن العسكر؟ وما هو موقع لبنان من تلك المعادلة؟

إذا كان السؤال الأول محسوم الجواب بنعم، فإن السؤال الثاني يستحق الإنتظار حتى معرفة الخطوات المرتقبة بحق لبنان في حال نجح او فشل بالإجراءات المالية. لكن المؤسسة العسكرية اللبنانية تحظى بدعم مفتوح، يتجلى باللقاءات التي يعقدها قائد الجيش العماد جوزاف عون في لبنان وخارجه.